سالكون سبيل الله ومسافرون إليه تعالى في الشهور والسنين التي هي منازل الطريق ، والترافق في الأسفار الدنيويّة يوجب المحبّة والمصادقة ، فكيف في المسافرة إلى الفردوس الأعلى ، وقد قال تعالى :
( إنما المؤمنون إخوة ) (١) ( الأخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ الا المتّقين ). (٢)
وأمّا الثانية : فسبعة :
أوّلها : كونه كالوالد للمتعلّم في المحبّة والنصح والشفقة ، فإنّه يقصد إنقاذه من الهلكة الاخرويّة التي هي أشدّ وأدوم ن الدنيوية ، ولذا كان حقّه أعظم من الولد الجسماني.
وثانيها : أن لا يقصد به الا وجه الله ، ولايرى لنفسه منّة عليه ، وإن تبعته المنّة بل يمتنّ منه بحصول عظيم الثواب له بواسطته ، فلا يطلب منه أجرا ولا جزاءاً دنيوياً ، إذ ما خلقت الدنيا الا لخدمة البدن الذي هو خادم النفس التي تخدم العلم ، فطلبه للمال هو الانتكاس الحقيقي.
وثالثها : أنّ لا يألو جهداً في نصحه بمنعه عن التصدّي لرتبة غير مستحقّة وعلم غير مستعدّ له ، وتنبيهه على أنّ المطلوب من التعلّم هو السعادة الأخرويّة دون الأغراض الفاسدة الدنيوية ، وتقريره له بأقصى ما يمكن ، فإن لم ينجعه وكان تعلّمه في العلوم التي يتوصّل بها إلى الأغراض الفاسدة ترك تعليمه ، إذ لاتزيده الا غفلة وقسوة وتمادياً في الضلالة ، ولابرهان عليه أحسن من التجربة والاعتبار بطلبة علوم الدنيا في الأعصار والأمصار ، وإن كان في علوم الآخرة فلا بأس باستمراره عليه ، إذ ربما أثّرت فيه طمعاً في الوعظ والاستتباع فيتنبّه في أثناء الأمر أو تاليه لما لم يكن يعرفه في مباديه ، فيوشك أن يردّ إلى الصواب ويتّعظ بما يعظ به المريدين والأصحاب.
__________________
١ ـ الحجرات : ١٠.
٢ ـ الزخرف : ٦٧.