وفي كلّ شيء له آية |
|
تدلّ على أنّه واحد |
ولكلّ منها مرتب مرتب على النهج الأصلح والنظام الأرجح بأمر الحكيم العليم مبتدأة من الأشرف فالاشرف إلى أن ينتهي بأخس العوالم أعني الأرض.
ولا قدر لكل منها بالنظر إلى مافوقه كما لا قدر لما على الأرض من الحيوان والنبات والجماد بالنسبة إليها ، ولذا تفسد بأدنى تغيّر لها ، فلو أنّ انساناً أوتي علم الأوّلين والآخرين ولازال باقياً ببقاء السماوات والأرضين وتفكّر في عجائب صنع ربّ العالمين لم يقدر على الاحاطة بعشر من معشارها ، بل قذف قطرة من بحارها ، ولذا ترى كتب العلماء البارعين وزبر الحكماء العارفين مع غاية بذل جهدهم في بيان مجاري أفكارهم فيها وكونها مشحونة من مطارح أنظارهم فيها لم تشتمل الا على شطر من يسيرها وتضمّنت العجز عن قليل من كثيرها ، كيف ولو صرفت عمرك في الاحاطة بعجائب نوع من صغار الحيوانات من البقّة والنملة والعنكبوت والنحلة وأشباهها من ترتيب أجزائها وأعضائها مع حقارة جثّتها وصغر حجمها واشتمال كلّ منها على مصالح معدّة لها ووضع منازلها وجمعها وادّخارها لأقواتها واهتدائها إلى حوائجها وغير ذلك لم تقدر عليه ، فكيف يمكن الاحاطة بعجائب صنع الله تعالى في سائر ما في عالم الأكوان.
( قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مدداً ) (١).
ثم إنّ أحسن ما يمكن كونه مجالاً للتفكّر في عجائب صنعه هي النسخة الجامعة لجميع العوالم التي جعلها الله حجة على خلقه وكتاباً كتبه بيده وهيكلاً بناه بحكمته وانموذجاً لما أثبته في لوحه المحفوظ وشاهداً على كل غائب وحجّة على كلّ جاحد وطريقاً مستقيماً إلى كل خير وصراطاً ممدوداً
__________________
١ ـ الكهف : ١٠٩.