مستقيماً على وسط العدالة وملازمة الطاعة والعبادة المطلوبة منها وهاجرة من كلّ رذيلة ومعصية منهية عنها فليحمد الله على كمال التوفيق وتمام النعمة ، وإن وجدها ملوّثة بأخباث الرذائل والمعاصي فليبادر إلى معالجتها بالتفكّر في سوء الخاتمة وكونها مؤدّية إلى غضب الله تعالى والشقاوة الدائمة وتداركها بالتوبة والندم والبكاء والابتهال والتضرّع والدعاء وتحصيل فضائل الملكات وحسنات الأعمال المذهبة للسيّئات.
ومجال التفكّر في هذين القسمين وسيع ، والقدر الضروري منه للسالك يزيد على ما يستوعب فرصته من عمره لو صرفها في هذين القسمين خاصّة من فكره.
وقد كانت العادة المستمرّة لأسلافنا الصالحين المسافرين إلى المقام الأعلى أنهم يكتبون جميع المهلكات والمنجيات في جريدة ويعرضون صبيحة كل يوم أو عشية كل ليلة صفاتهم عليها ، فإذا أيقنوا بالتخلّي عن رذيلة واطمأنّوا بالتحلّي بفضيلة خطّوا عليها في الجريدة.
ثم يتفكّرون في أخرى إلى أن يوفّقهم الله تعالى للخطّ على الجميع وكانوا يرون هذا النوع من التفكّر من لوازم الايمان بالحساب ، فنعم الأسلاف السابقون وبئس الأخلاف اللاحقون ، حيث لا يشمّ من نفوسنا رائحة الايمان بيوم القيامة ولا تحصل فيها من كثرة الظلمات المحيطة بها رقّة وحزن وخوف تتبع اللوم والندامة.
ثمّ إنّ هذا النوع من التفكّر إنّما هو تفكّر العلماء الصالحين.
وأمّا الصدّيقون من الأنبياء والأولياء فشأنهم أجلّ وأرفع من ذلك لاستغراقهم في محبّة الله وانسه وفنائهم في جلاله وعظمته ، ففكر هم ليس الا الاستغراق في بحار أنوار جماله والاحتراق من نيران وصاله.