... الحديث » (١).
وناهيك دالاً على فضاء أنه القامع للشهوات الذابّ عن السيّئات الباعث على الطاعات ، فإن السقيم إذا خاف طول السقام احتمى عمّا يضرّه من الطعوم ، والعالم بإهلاك السمّ يمتنع عن أكل الطعام المسموم.
ثم إنه لايتحقّق الا من انتظار مكروه إمّا لذاته كخوف الموت وسكراته وما يترتّب عليه من هول المطّلع وسؤال القبر وعذابه والحياء عن اطلاع أهل المحشر عن فضائح أعماله والحساب والصراط وعذاب النار والحرمان عن نعيم دار القرار والنقصان عن درجة المقرّبين والأبرار والبعد والاحتجاب عن ربّ الأرباب ، وهو خوف الزاهدين والعابدين.
وإمّا لغيره كالموت قبل التوبة عن ذمائم أخلاقه وأعماله ، أونقضها قبل الموت ، أو ضعفه عن استيفاء (٢) حقوق الله ، أو الاشتغال عن الله بغيره ، أو البطر والاستدراج بتواتر النعم والاغترار بالدنيا أو تعجيل العقوبة فيها ، أو غفلة عن القبائح ، أو سوء الخاتمة وهو من أعظم المخاوف الذي قطع قلوب السالكين العارفين بخطره ، وأعلى منه خوف السابقة لكونه أدلّ على كمال المعرفة لكون الخاتمة فرعها ومظهرها ، ولذا ورد : « الشقيّ شقّي في بطن أمّه ، والسعيد سعيد في بطن أمّه » (٣).
__________________
١ ـ الكافي : ٢ / ٧٠ ، كتاب الايمان والكفرن باب الخوف والرجاء ، ح ٩.
٢ ـ في نسخة « ب » : استقصاء.
٣ ـ الجامع الصغير : ٢ / ٣٧ ، توحيد الصدوق : ٣٥٦ ، واعلم أنّه ليس معنى الحديث أنّ السعادة والشقاوة أمران مقدّران أزليّان قاهران على الانسان ـ شاء أم لا ـ ولايمكن الفرار عنهما أبداً ، إذ لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ولسقط الوعد والوعيد ولم يكن حكمة في إرسال الرسل وإنزال الكتب ، بل معناه ـ كما عن الامام موسى بن جعفر عليهالسلام ـ أنّ الشقي من علم الله وهو في بطن أمّه أنّه سيعمل عمل الأشقياء وكذا السعيد ، وقول ذلك البعض الّذي يخاف من الأول إن رجع إلى الخوف من علم الله المتعلّق بأفعال العباد باختيارهم فهو ، والا فذلك قول الأشاعرة من العامّة ولاينبغي عدّه معرفة فضلاً عن كمالها.