وقال بعضهم : الناس يخافون من اليوم الآخر وأنا أخاف من الأوّل.
فظهر أنّه تابع للمعرفة واليقين ، فكلّما حصّل علماً بالمخوف عنه حصّل خوفاً مثمراً للاجتناب عن المفضي إليه ، وكلّما ازداد يقيناً تمواعيده تعالى وماله من الصفات والأفعال وبعيوب النفس وما أعدّ لها من الأخطار والأهوال زاد خوفه وخشوعه وتذلّله وخضوعه إلى أن يبلغ مبلغاً لايكون له همّ الا المجاهدة والمراقبة ومؤاخذة النفس دائماً بالمحاسبة ، كما لاهمّ لمن وقع في مخالب السبع الضاري الا استخلاص نفسه منه ، كما كان حال الخلّص من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين.
قال أميرالمؤمنين عليهالسلام : « أما والله لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلىاللهعليهوآله وأنهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً بين أعينهم كركب البعير يبيتون لرّبهم سجّداً وقياماً ، يراوحون بين أقدامهم وجباههم ، يناجون ربّهم في فكّ رقابهم من النار ، والله لقد رأيتهم مع هذا خائفين ، مشفقين ، وكأنّ زفير النار في آذانهم إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر ، كأنّما القوم باتوا غافلين ، فما رئي أميرالمؤمنين بعد ذلك ضاحكاً حتّى قبض ». (١)
ثم ربما تبلغ المعرفة بصاحبها في الخوف مبلغ الصدّيقين ، وهو الاستغراق في بحار عظمة الله وجلاله فيصير مدهوشاً والهاً دائماً.
ويسمّى هذا القسم من الخوف في اصطلاح السالكين خشية ورهبة.
وله أيضاً مراتب بحسب اختلاف المعرفة الحاصلة في تلك المرتبة لعدم تناهي صفاته الجمالية والجلالية ، وقصور النفس عن الاحاطة بغير المتناهي مع العجز عن تحمّلها ، كيف ولو تجلّى ذرّة منها على أكمل العقول التامّة
__________________
١ ـ خلط المصنّف هنا بين روايتين : الاولى الرواية ٢١ من باب المؤمن وعلاماته من كتاب الايمان والكفر من الكافي ، وهذه الرواية تنتهي إلى قوله : « مشفقين » ، على أنّ في الكافي : « وهم خائفون مشفقين » بدل « خائفين مشفقين » وفيه أيضاً « كركب المغرى » بدل « كركب البعير » ، والثانية ذيل الرواية ٢٢ من نفس الباب وفيه بعد قوله « غافلين » : « قال (أي الراوي وهو عليّ بن الحسين عليهالسلام) : ثمّ قام فما رئي ضاحكاً حتّى قبض صلوات الله عليه ».