لاحترق من أنواره الباهرة ، وذاب من مشاهدة عظمته القاهرة.
ولو تتبّعت ما في كتب السير والأخبار من عروض الغشيات المتواترة في كل ليلة لأميرالمؤمنين وأولاده المعصومين الأطهار عليهمالسلام وماكانوا عليه من الدهشة وعدم التفطّن في صلاتهم وغيرها من خلواتهم للآلام العظيمة وسائر الأولياء المخلصين الأبرار ، لاستشممت رائحة ماكانوا عليه من شدّة المعرفة والمحبّة والاستغراق في بحار العظمة ، فهؤلاء ليس لهم التفات إلى ماض وآت ولا كراهة من مكروه ، ولا شوق إلى مطلوب ، ولا خوف من شيء من مكاره الدنيا والآخرة ، ولا مطمع في مطالبها إذا فيض عليهم نور الوحدة ، فلم يبق فيهم حجاب الخوف والخشية.
ولذا : قيل إنّ المحبّ إذا شغل قلبه مع مشاهدة المحبوب بخوف الفراق كان نقصاً في دوام الشهود الذي هو غاية مقامات العارفين (١).
تنبيه
لمّا عرفت أنّ الفضيلة من كلّ شيء وسطه ، فالخوف المزبور يكون فضيلة إذا كان بأعثاً للمواظبة على تحصيل المعارف الحقّة والأعمال الصالحة حتّى يحصل منه رتبة القرب ولذّة الحبّ ، فكما أنّ لسوق البهيمة وتأديب الصبيّ حدّاً لو قصر عنه لم تحصل الغاية المطلوبة منهما ، ولو تجاوز عنه في الكمّ أو الكيف أدّى إلى هلاكته وتضييعه ، فكذا الخوف.
وعلامة وصوله إلى حدّ الاعتدال تأثيره في الجوارح بالكفّ عن المعاصي ، والتقيّد بالطاعات ، فلو لم يصل إليه كان مجرّد حديث نفس كبكاء النساء والاطفال من أدنى شيء وعودهم إلى ماكانوا عليه بانقطاعه. ولو وصل إلى حدّ اليأس والقنوط كان ضلالاً وكفراً ومؤدّياً إلى ترك العمل
__________________
١ ـ لا اعتبار باقوال غير المعصومين وأتباعهم في هذه المسائل وما قيمة هذه الأقوال التي تنفي الخوف عن الأئمة عليهمالسلام وتعتبره حجاباً عن مشاهدة نور الوحدة في قبال ما ذكر من الآيات والروايات وسيرة الأئمة عليهمالسلام الذين أمرنا باتباعهم واقتصاص آثارهم ، ولذا ذكر في جامع السعادات بأن هذه الأقوال مما لا التفات لنا اليها. فراجعه : ١ / ٢٢٤.