وبالجملة فالأخبار كثيرة لاتحصى.
واعلم أنّ الدنيا مزرعة الآخرة ، كما ورد في الاخبار (١) ، فالقلب بمنزلة الأرض ، والايمان وسائر الفضائل النفسية بمنزلة البذر فيها ، والتخلّي عن الرذائل والمعاصي كتنقيتها عن الشوك والأحجار وغيرها ، والطاعات بمنزلة سقيها ، ويوم القيامة يوم حصادها ، فكما أنّ الزارع يرجو النماء بعد حصول ماذكر من الشرائط والمقدّمات ، وبدونها يكون رجاؤه حمقاً وغروراً ، فكذا العبد إنما يحسن منه رجاء تثبيته على القول الثابت عند مماته وحسن خاتمته وسعادته بعد وفاته مع حصول الشرائط المزبورة في حال حياته ، فمن لم يلق بذر الفضائل في نفسه ، بل جعلها مشحونة من الرذائل والمعاصي أو لم يسقها بماء الطاعات ، بل روّاها من ماء المعاصي والسيّئات كان توقّعه لما ذكر مقاً محضاً وتمنّياً باطلاً ، فلا يصلح الرجاء الا بعد تمهيد الأسباب الاختيارية التي تحت قدرته ، وانتظار ماليس بيده ، أعني فضل الله ورحمته وتوفيقه بصرف الموانع عنه وتنظيم ما يعينه عليه.
ويدلّ على التخصيص المذكور قوله تعالى :
( إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ). (٢)
وقيل للصادق عليهالسلام : قوم يعملون المعاصي ويقولون نرجو فلايزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت ، فقال : « هؤلاء قوم يترجّحون بالأماني ، كذبوا ، ليسوا براجين ، إنّ من رجا شيئاً طلبه ، ومن خاف من شيء هرب منه ». (٣)
وبهذا المضمون أخبار أخر.
وفي الخبر : « لايكون المؤمن مؤمناً حتّى يكون خائفاً راجياً ، ولايكون »
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٣٦.
٢ ـ البقرة : ٢١٨.
٣ ـ الكافي : ٢ / ٦٨ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الخوف والرجاء ، ح ٥.