وآخذ الجوهرة الثمينة ، فلا يعدّ من المعاوضة في شيء ، وهو أعلى مراتبه لكونه ناشئاً من كمال المعرفة بآفاتها ومفاسدها وعدم وفائها ، بل عداوتها ومكرها بأبنائها ، والعلم بدوام لذّات الآخرة وبقائها.
وصاحبه في أمن من الالتفات إليها ، ومثاله أنّه إذا كان على باب الملك الذي تقصده كلب يعضّ الناس ويمنعهم عن الوصول إليه ، فألقيت إليه شيئاً يضرّك وينفعه ممّا نلته من موائد الملك فشغلته بذلك الشيء عن نفسك ودخلت ونلت منه غاية القرب ونهاية اللطف والاكرام ، فهل ترى أنّ مانلته منه عوضاً لما ألقيته إلى كلبه ، مع كونه من أخسّ الأشياء وأردائها وكونه منه أيضاً.
فنعماء الدنيا وإن كثرت ، بالنسبة إلى نعيم الآخرة أخسّ شيء وأقبحه ، لكدورتها بالآلام وفنائها ، فلا نسبة لها بلذّات الآخرة ونعمائها مع مقائها وصفائها.
وله من حيث المرغوب عنه خمس درجات :
أوّلها : الزهد في الحرام ، وهو زهد الفرض.
وثانيها : الزهد في الشبهات ، وهو زهد السلامة.
وثالثها : الزهد في الزائد عن الحاجة من الحلال أيضاً ، لكن مع التمتّع والتلذّذ ممّا يحتاج إلى صرفه.
ورابعها : الزهد فيه بدون التمتّع والتلذّذ من القدر الضروري ، بل لأجل الاضطرار من قبيل أكل لحم الميتة مع كراهة له باطناً ، وهذا وما قبله يسمّى زهد ثقل.
قال الصادق عليهالسلام : « الزاهد في الدنيا الذي يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عذابه ». (١)
وخامسها : الزهد في جميع ما سوى الله حتّى النفس والبدن ، بحيث
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٣٦٢.