واجده ، ومن البيّن أنّ الغناء من أشرف الصفات ، كيف وهو صفة وجود وكمال وهما من لوازم وجوب الوجود ، وما يكون كذلك فهو أشرف ممّا يستلزم النّقص والعدم والحاجة التي هي من لوازم الامكان ، ولذا انحصر الغني الحقيقي في الواجب تعالى لا حتياج ما سواه من الممكنات في كلّ آن إلى إفاضة الوجود ولوازمه وكمالاته منه تعالى عليها كما نبّه تعالى عليه بقوله :
( والله الغنّي وأنتم الفقراء ). (١)
ثم الغناء على ما عرفت معنى واحد بسيط ، وإنّما يكثر افراده ويختلف باختلاف ما به يتحقّق ، فإن ما به الغنى قد يكون ذات الشيء كالواجب تعالى ، فإنّه الغنيّ بذاته عن غيره ، وقد يكون غيره كالممكنات ، وهي وإن كانت مشتركة بأسرها في احتياجها في غناها إلى خارج عن حقائقها فيكون ذلك لها نقصاً وفقراً ، وفي كون غناها مستفادة من الغنيّ بالذات الميض على كافة الموجودات بقدر قابليّتها واستعدادها ، فيكون ذلك لها شرفاً واستكمالاً ، الا أنها مختلة في وجوه الاستفادة منه اختلافاً فاحشاً ، فإنّ منها ما يكون غناه عن جميع الأشياء به تعالى ، فيتساوى وجود كلّ شيء وعدمه بالنظر إلى ذاته لعدم احتياجه إليه مطلقاً ، وإن أحبّ فقدانه أو وجدانه بحسب ما قدّر الله له ، فإنّ هذا الشخص لعلمه بأنه تعالى لا يفعل الا ما هو الأصلح ، في مقام الرضا بما يقدّر له ، ومن أحبّ أحداً أحبّ كلّ ما يصدر عنه من الأفعال ، لكنه بالعرض لا بالذات ، وهذا مبلغ الصديقين المقربين ، والشائع عند القوم إطلاق الفقير على مثله ، ولعلّه لكون الباعث على غناه كمال معرفته بالله تعالى وبكونه غنيّاً بالذات ومغنياً لكافة الموجودات ومفيضاً عليها بقدر ما اعدّت لها ، وكون ما سواه تعالى مماثلاً له في الفقر والحاجة إليه تعالى ، وكيف يسأل محتاج محتاجاً ، وأنّى يرغب
__________________
١ ـ محمّد صلىاللهعليهوآله : ٣٨.