والشكوى من الله تعالى ، بل الكفر في بعض الأشخاص ولذا قال تعالى في خبر المعراج : « يا محمّد! إنّ من عبادي من لا يصلحه الا الغنى ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك ، وإنّ من عبادي من لايصلحه الا الفقر ولم صرفته إلى غير ذلك لهلك ». (١)
فإذن يظهر أنّ الأولى لكل أحد ملاحظة حاله ، فإن كانت إعانة الفقر له على سولك طريق الآخرة أكثر كان هو الأولى له ، والا فالغنى أرجح ، فما تراه في كلام الأئمة عليهمالسلام والعلماء الأعلام من الاختلاف في ذمّها ومدحها مبنيّ على ذلك.
ثم إذ تبين لك أنّ أولوّية الفقر عرضية وأنّه في نفسه نقص الا أنّه صار مقدّمة لرفع ما هو أعظم منه بالنسبة إلى من يريد أن يستخد قوّته الشهوية ولم بتّصف بصفة الحرّية ، وكان طالباً لتحصيل السعادة الأبدية ، فهو إمّا أن يكون قصده في اختياره والصبر عليه إلى تحصيل ما يتوقّف عليه من الفضائل طمعاً في عظيم الثواب ورجاء لمام عند الكريم الوهّاب ، فهذا فقر الراجين ، وإن كان الخوف من الاتّصاف بالرذائل والابتلاء بالمعاصي التي بها يستحقّ العذاب في الآجل فهذا فقر الخائفين.
وأمّا من كان مستغنياً بالله عن غيره فهو وبأن كان بأن يسمّى غنيّاً أحقّ ممّن تعارف إطلاق الغني عليه ، أي من كانت له أموال كثيرة كما عرفت الا أنّه لما امتاز فقره عن سائر مراتب الفقر بكون فقره إلى الله خاصّة في جميع حالاته ، وغناه بالاستغناء عن كلّ شيء بأن يسمّى فقيراً أحرى ، فإن معاملته مع من هو فقير إليه دون من هو غنيّ عنه ، مع أنه الأوفق بالأدب لأنه تعالى هو المسمّى بالغني والمتّصف به حقيقة ، وقد سمّى غيره فقيراً ، فينبغي التأسّي به
__________________
١ ـ الكافي : ٢ / ٣٥٢ ، كتاب الايمان والكفر ، باب من أذى المسلمين ، ح ٨ ، وفيه : « من عبادي المؤمنين ».