تعالى فيها ، وهذا فقر الصدّيقين والمقرّبين وكمّل العارفين ولاينايه وجود الأموال الكثيرة كما كانت لكثير من الأنبياء والأولياء ، بل السلطنة الظاهرة ، كما كانت لدواد وسليمان وذي القرنين.
قال بعض العلماء : وهذا الفقير رتبته فوق الزاهد ، لأنّ الزهد كمال الأبرار فهو سيّئة بالنسبة إلى المقرّبين ، وسرّه أن الزاهد في الدنيا يشارك محبّها في الاشتغال عن درجة الشهود وإن خالفه في الكيفيّة بكونه مشغولاً ببغضها وسالكاً في بعده مسلك القرب ، فيرجى في حقّه الوصول إلى مقام الشهود وكون الثاني مشغولاً بحبّها وسالكاً مسلك البعد فلا يتصوّر في حقّه.
والحاصل كما لايجتمع حبّان في قلب واحد ، فكذا لايجتمع الحبّ والبغض معاً فيه.
أقول : قد بيّنا أنّ من مراتب الزهد ترك كلّ ما يشغل عن الله تعالى ، فلو فرض كون البغض شاغلاً عنه تعالى لزمه الترك حتّى تصدق عليه تلك المرتبة من الزهد ، والمعتبر في حقيقة الزهد هو ترك الدنيا خاصّة ، فكما يصدق بتركها لأجل كونها شاغلة عن الله أي يكون الباعث عليه الالتفات إلى ذلك ، فكذا يصدق به إذا كان الباعث عليه الاشتغال بالله تعالى ، فإنّ الاشتغال بكل شيء يستلزم ترك الاشتغال بضدّه ، فيصدق عليه الزهد من حيث إنّه تارك للدنيا لله تعالى ، ويصدق عليه هذه المرتبة من حيث إنّه مشغول بالله عن كلّ شيء ، على أنّ الشاغل عن الله هو الالتفات إلى ما يبغضه لانفس البغض.
وقد مرّ ما يدلّ على بغض الأنبياء والأولياء للدنيا ، وكيف يكون مطلق الزهد كمالاً للأبرار مع اتّصاف أشرف الأنبياء به وهو سيّد المقرّبين وأشرف الأوصياء به وهو سيّد الصدّيقين ، وكذا موسى وعيسى ويحيى عليهمالسلام وغيرهم من أنبياء الله المرسلين.