تلخيص
تلخّص ممّا ذكر كون المعيار في رجحان أحدهما على الآخر قلّة صدّه عن سلوك الآخرة وسهولة الوصول به إلى السعادات الدائمة ، وهو متفرّع على حبّ العبد للدنيا وعدمه ، فإنّه الصاد عنها لا وجود متاع الدنيا لديه ، فكم من فقير يشغله الفقر عن المقصد وكم من غنيّ لا يشغل بغناه ولايصدّ ، بل يعينه على تقواه ويمدّه إلى ما فيه صلاح آخرته ودنياه ، فالغنيّ المحب لها مشغول عن الله تعالى بوصالها ، والفقير المحبّ لها مشغول عنه بفراقها ، فكلّ من كان علاقته بها أقلّ كان أفضل ، ومع التساوي فالغنيّ أكمل كما عرفت.
وأنت إذا أحطت خبراً بما فصّلناه كنت في سعة من استخلاص نفسك عن تطويلات القوم في مقام الترجيح ، وذكر كل منهم الشهواهد العقلية والنقلية على رأية الغير الصحيح ، وعلمت أنّ ما فعله بعض الأعلام من عدّ الفقر من الفضائل والغني من الرذائل غلط عظيم ناش من عدم التعمّق التامّ في المقام ، فإن الغناء في نفسه ممدوح ، لأنّه صفة كمال وليس من جنس الملكات حتى يقال إنّه فضيلة أم رذيلة.
وكذا حبّه لاستجلاب وجوه الخير منه أو لكونه صفة ممدوحة فضيلة وليست برذيلة.
نعم حبّه للتوصّل به إلى المشتهيات رذيلة ، الا أنه بعينه حبّ الدنيا وغيره ممّا أشرنا إليه سابقاً ، وأمّا الفقر فإنه صفة نقص في نفسه ، وليس من جنس الملكات حتّى يقال إنه رذيلة أو فضيلة ، وملكة البذل والانفاق حتى يصير فقيراً تبذير محرّم ، كما مرّت إليه الاشارة.
نعم إذا علم إنه لايتوصّل إلى الكمالات المطلوبة منه الا بالفقر كان حبّه له ممدوحاً من باب المقدّمة ، وهذا كمال أنّ الخوف في نفسه نقص وإنّما يعدّ كمالاً لو كان من الله تعالى لاستجلاب كما به ، فما لم يؤدّ إليه بل أدىّ