والأخبار كثيرة ، وما أشدّ جهل من يمنّ على الفقير [ أو يؤذيه ] (١) أو يستعظم ما يعطيه مع أنّه لا يعطيه الا من ماله الذي أودعه الله إيّاه وجعله حمّال متاعبه لجهله وحماقته ، كما عليه قولهم عليهمالسلام : « إنّ الله شرّك الفقراء في أموال الأغنياء ». (٢)
ولو سلّم فلا ريب أنه من عطائه تعالى ، فلو أعطيت عبداً لك أموالاً كثيرة ث أمرته بإعطاء قليل منها لغيره ووعدته عليه أضعاف ذلك من الجزاء الجزيل والأجر الجميل ، فلو منّ عليه في ذلك كان منّه في غاية القباحة ، بل كان العبد في غاية الحمق والوقاحة ، ولو تأمّل علم أنّ الأمر بالعكس ، فإنه استحقّ بواسطته من رضا الله وحسن ثوابه ما لايمكن أن ينسب إلى الدنيا بما فيها ، فكان الأولى بحاله الاعتذار عنه والامتنان منه والتواضع والانكسار لديه ، وإظهار الخجلية من قلّة ما أهدى إليه ، سيّما بالنسبة إلى الذرّية العلويّة احتراماً لأجدادهم سادات البريّة ، وتأسّياً بالله تعالى في ذلك ، حيث شرّكهم بنفسه إعظاماً لهم وإكراماً ، فليكن احترازه من الاستعظام ووضع المنّة عليهم أكثر ، وتواضعه بالنسبة إليهم أوفر.
ومنها : إعطاء الأحبّ إليه الأبعد عن الشبهة ، فإنّه تعالى طيّب لايقبل الا مايكون أطيب ، فمن يدّخر الطيّب لنفسه وينفق الري في سبيل ربّه إن كان قصده في الانفاق هو وجه الله خاصّة كان مؤثراً لنفسه عليه تعالى ، وإن كان طمع الثواب في الآخرة كان مؤثر للملك العارية على الملك الذي لايفنى ، ولو فعل ذلك بضيف ورد عليه لكان من أقبح الاهانة ، فكيف يفعل بالله سبحانه مع كون ما يعطيه منه تعالى ، وقد أرشد الله إلى ذلك بقوله : ( وأنفقوا من طيّبات ما كسبتم ). (٣) وقال : ( لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا
__________________
١ ـ ساقط من « ج ».
٢ ـ الوسائل : كتاب الزكاة ، الباب ٢ من أبواب المستحقّين للزكاة ، ح ٤ ، وفيه : « إنّ الله تبارك وتعالى أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال ».
٣ ـ البقرة : ٢٦٧.