للشرّ والنقص له ولعباده. وفي دنياه أيضاً لعدم انقطاع فيوضه تعالى بتمناه (١) فيتعذّب دائماً بأشدّ الحسرة والألم مؤثرا لنفسه ما يريده لأعدائه من الحزن والغمّ والتعرّض للافتضاح ديناً ودنيا من دون فائدة ينالها.
ولايضرّ بدين المحسود ودنياه ، إذ لا ينقطع عنه ما قدّر له من أياديه تعالى ، ولاينفع تدبيراته في دفعها ، كما تشهد التجربة به ، ولو زالت النعم بالحسد لم يتنعّم من الخلق أحد ، إذ لا أحد الا وله حاسد يحسد ، ولضرّه وشرّه يقصد ، بل ينفع دينه بتخفيف أوزاره ومعاصيه ، وتثقيل حسناته بما يفعله الحاسد به من الغشّ والاهانة والبهتان والغيبة ، فيزيد بحسده نقمة أخرويّة إلى دنيوية ، كما يزداد الحاسد بحسده نعمة أخروية إلى دنيوية ، ودنياه أيضاً حيث إن أهمّ الأغراض الدنيوية مساءة الأعداء وابتلاؤهم بأنواع الهمّ والغمّ والبلاء ، وأيّ البلاء أعظم ممّا نال حاسده من الغموم والهموم وتجدّدها بتجدّد نعمة عليه من نعم الله تعالى ، بل ربما صار الحسد باعثاً لاشتهار المحسود وانتشار فضله ، كما قيل :
وإذا أراد الله نشر فضيلة |
|
طويت أتاح لها لسان حسوده |
فيكون الحاسد عدوّاً لنفسه صديقاً لعدوّه ، ولذا قيل : مارأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد ، إنّه يرى النعمة عليك نقمة عليه.
واعلم أنّ الحسد إنما يتصوّر في الماديات الغير القابلة للاشتراك والعموم ، بحيث لو حظي بها واحد حرم الآخر عنها ، فحاطبها لايريد ضرّه بالذات ، وإنما يلزمه بواسطة اختلاف المقاصد ، فأمّا الفضائل النفسية والمعارف الحقّة والمطالب العلمية واللذّات الأخروية ، فهي لكونها عن المادة مبرّاة وعن سمة النقص والزوال معرّاة تزيد بكثرة الافاظة ، وتعمّ نفعها ، فلا بتصوّر فيها الحسد الا إذا استخدمت للدّنيا وجعلت من وسائلها كما في علمائها ، فيكون التحاسد بينهم فيما جعلوه غاية لها لا فيها نفسها ، إذ
__________________
١ ـ كذا ، والصحيح : بتمنّيه.