لايتصوّر التحاسد الا مع التوارد على المقاصد التي لاتفي بطلّابها وقاصديها وتضيق كالسجن على وارديها ، والعلم لايتناهى ولا يبيد ، فلا يقصر عنها ، بل يزيد ، وأمّا اللذّات الأخرويّة فلا تضيق بالكثرة وتقول هل من مزيد ، فلا حسد بين طلّاب الآخرة أصلاً.
( ونزعنا ما صدورهم من غلّ إخواناً على سرر متقابلين ). (١)
ثم إنّ مساواة أحوال العدوّ لدى عدوّه ليست اختيارية لأغلب النفوس ، فالتكليف به لعامة الناس مما لايليق بالحكيم والقدر المكلّف به عموماً ما يظهر أثره في الجوارح ، ويبعث على المعاصي الظاهرة كالغيبة والبهتان والغشّ والإهانة وغيرها ، فإنّ التكاليف الظاهرة الشرعية العامة للمكلّفين لايتعلّق الا بأعمال الجوارح كما أشرنا إليه سابقاً.
ويدلّ عليه في خصوص المقام النبوي المشهور : « رفع عن أمّتي ـ إلى قوله : ـ والحسد مالم يظهر بلسان أويد ». (٢)
وفي الخبر النبوي أيضاً : « ثلاث لاينفكّ المؤمن عنهنّ : الحسد والظنّ والطيرة ... وله منهن مخرج ، إذا حسدت فلاتبغ ـ أي لاتعمل به ـ ، وإذا ظننت فلا تحقّق ، وإذا تطيّرت فامض ». (٣)
وعن النبي صلىاللهعليهوآله أيضاً : « ثلاثة في المؤمن له منهنّ مخرج ومخرجه من الحسد أن لا يبغي ». (٤)
والأخبار الدالّة على الذمّ والنهي كسائر ما دلّ على ذمّ صفات القلب والنهي عنها إمّا من قبيل ذكر الأسباب وإرادة المسبّبات كما هو الشائع في المحاورات ، أو من قبيل التأكيدات الواردة في المستحبّات والتغليظات الشديدة حثّاً للنفوس الناقصة عليها.
__________________
١ ـ الحجر : ٤٧.
٢ ـ راجع الوسائل : كتاب الجهاد ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس.
٣ ـ جامع السعادات : ٢ / ١٩٩.
٤ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣٤٩.