وقد خبط في المقام بعض الأعلام (١) وأصرّ في القول بالحرمة مطلقاً ، وحمل ما ذكرناه من الأخبار على ما يكون فيه ارتياح للنفس بزوال النعمة طبعاً مع كراهته له من جهة العقل والدين حتّى يكون تلك الكراهة في مقابلة الحبّ الطبيعي بناء على أنّ الأخبار الناهية عن الحسد تدلّ على كون الحاسد آثماً ، والحسد عبارة عن صفة القلب دون الأفعال الظاهرة.
وفيه مضافاً إلى ما عرفت سابقاً أنّ ترك الأعمال الظاهرة مع التمكّن منها يستلزم الكراهة من جهة العقل والدين ، إذ مع فقد المانع ووجود الباعث المقتضي يتمّ علّة الوجود ، فلا يتصوّر تخلّف المعلول عنها.
وأمّا مع عدم التمكّن مع الشرق إلى الأعمال الظاهرة والهمّ بها فقد عرفت أنّ المستفاد من الأخبار الكثيرة الدالة على أنّ من همّ بسيّئة ولم يعملها لم يكتب عليه ، والاجماع المدّعى في كلام جماعة أنّه معفو عنه مضافاً إلى هذه الأخبار فإنّها مقيّدة وتلك مطلقة ، فلابدّ من حملها عليها ، على أنّ من اتّصف بالايمان بل اتّسم بالاسلام وعلم أنّ الحسد مبغوض لله تعالى ومذموم بحسب الشريعة سيّما إذا تبيّن له ذلك بحسب العقل أيضاً كيف لايكرهه ولايمقته بقلبه ، بل من يظهر آثاره في جوارحه أيضاً يمقته ويكرهه شرعاً كسائر المعاصي والآثام لوجود القوّة العقلية الكارهة لها والمانعة له عن ارتكابها فيه ، غاية ما هناك صيرورتها مغلوبة من الشهوية والغضبية والجنود الطبيعية والشيطانية ، وهو واضح ، ولمّا كانت أعمال الجوارح كلّها ناشئة عن أعمال القلب ومتسبّبه منها ورد كمل التأكيد في قلعها وقمعها كي لايبتلى برسوخ تلك الأسباب فيه بمسبّباتها ، فمن جاهد نفسه مع اتّصافها برذيلة تقودها إلى الآثار السيّئة بمنعها وحفظها عن تلك الآثار كان مجاهداً بالجهاد الأكبر الذي يوازي نزع الروح بل أشدّ وأصعب ، فكيف يعدّ عاصياً مع أنّه
__________________
١ ـ هو المولى مهدي النراقي صاحب جامع السعادات فراجع : ٢ / ٢١١ ، وكذا أبو حامد كما في المحجة البيضاء (٥ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩).