السالك حينئذ إلى المقصد والمشتغل بعلم السلوك الصعب الذي نحث عليه من أوّل الكتاب إلى تاليه. والاقامة (كذا) بعد ما عوّد نفسه على ترك مقتضياتها وآثارها يلزمه زوال تلك الملكة تدريجاً ، ويسهل عليه ذلك إلى أن تنعدم بالمرّة.
وممّا ذكر يظهر أنّ علاج هذا المرض لايمكن الا بازاحة علله من الرذائل الباعثه عليه ، فيبدّل الحرص والطمع بالقناعة ، والتكبّر بالتواضع ، والدناءة بعلوّ الهمّة ، والجهل بالمعرفة ، والحقد بالمحبّة ، ثم المواظبة على الامتناع من آثاره ، والاتيان بأضدادها قولاً وفعلاً على سبيل العنف والقهر والمجاهدة للنفس حتى تعتاد ، ولو حصّل فضيلة التوحيد وشاهد الارتباط الخاص الذي بينه تعالى وبين خلقه وعلم أنه من أقوى الروابط وأضبطها لم يلاحظ الموجودات الا من حيث الانتساب إليه تعالى بارتضاعها من لبان الوجود بثدي واحدة وشرب ماء الفيض والجود من شريعة واحدة ، فلا ينظر إليهم بعين السخط والعدوان وإن أصيب منهم بأنواع البليّة ، بل لم يلحظهم الا بعين المودّة والرحمة ، كما هو شأن كمّل العارفين المستغرقين في حبّ الله وأنسه ، والمحظوظين بنعمة معرفته.
تذنيب
قد أشرنا إلى أنّ الغبطة تمنّي مثل ما للمغبوط من غير إرادة زواله عنه ، ويسمّى منافسة أيضاً ، وإطلاق الحسد عليه في بعض الأخبار اتّساع لمقاربتهما ، وهي في الأمور الدينية والفضائل النفسية ممدوحة ، إذ سببها حبّ الله وحبّ طاعته ، وأمّا في الأمور الدنيوية الغير المحرّمة فهي وإن لم تكن محرّمة الا أنّها لابتنائها على حبّ الدنيا والتنعّم بها مذموم ينقص بها درجته ويحجب بسببها عن المقامات المحمودة كالرضا والتوكّل والقناعة والزهد.
قال بعض الأعلام : لو كانت الغبطة مقصورة على مجرّد حبّ الوصول إلى مثل ما للمغبوط من دون حبّ المساواة له وكراهة النقصان عنه