البعيدة من حدوث حادث يزعجه عن وطنه ، أو يزعج أهل الأمصار البعيدة عن أو طانهم إلى البلد الذي هو فيه ، فيحتاج إليهم في جلب نفع أو دفع ضرر ، فيطلب تسخير قلوبهم لذلك وهكذا ، فيحصل له بذلك أمن من الخوف الناشيء له من تلك التقديرات الناشئة من سوء الظنّ بالله عزّوجلّ وطول أمله.
وإمّا ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ النفس الانسانية لتجرّدها يشبه المبدء في ميلها إلى صفات الربوبية كالعلم والقدرة والكبر والعزّ والاستعلاء ، فإنّ مقتضاها التمامية ، أي التفرّد بالوجود والكمال وما هو فوقها أعني رجوع كل وجود وكمال إليه ، فكما أنّ الكمال للشمس بوجودها وحدها فلو كان معها شمس أخرى كان نقصاً في حقّها إذ لم يتحقّق فيها كمال الشمسية ، وهذا وكمالاته إليه تعالى فلا يوجب حصولها نقصاً في كماله ، كما أنّ إشراق الشمس في الأقطار لايعد نقصاً في حقها ، وإنّما يتحقّق نقصانها بوجود شمس أخرى مساوية لها في الرتبة ، بل تعدّ كمالاً له لكونها من إشراق نور القدرة الالهية ، الا أنّ ذلك لايوجب زوال حبّه وتعشّقه للكمال ، لكونه محبوباً بالذات فيطلب الممكن في حقّه أي حصول نوع من الاستيلاء له على الموجودات إمّا بالعلم والمعرفة خاصّة فيما لايقبل التغيير (١) كذات الواجب وضفاته وعالم المجرّدات ، أو فيما لايقبله ولا يتمكّن من التصرفّ فيه كالسماوات وما فيها لما عرفت من أنّه نوع استيلاء ، بل هو أعظم من ملكيّة الأعيان ، أو به وبالقدرة بالتصرّف فيه كيف يشاء فيما يقبله ويتمكّن منه كالأراضي وأجزائها بالحيازة والضبط أو الزرع والغرس والركوب والحمل والرفع والوضع والأعطاء والمنع وكنفوس بني آدم بالتسخير والتصرّف فيها بالأمر والنهي والمحبّة والاطاعة والانقياد ، ولذا يطلب استرقاق العبيد
__________________
١ ـ كذا ، والظاهر : التغيّر.