واستعباد العباد ولو قهراً ، فالنفس تحبّ الكمال بالعلم والقدرة لذاته ، وإنّما تحبّ المال والجاه لكونها (١) من أسباب القدرة ، ولكونها غير متناهية لاتكاد تتف النفس في طلبهما إلى حدّ وتلتذّ على حسب ما تدركه وتطلب ما هو عادم له ممّا يتصوّر إمكانه في حقّه ، لكن حبّه للجاه أكثر من المال ، لأنّ المال معرض للتلف ، ومطمع الظلمة والسارقين ، فيحتاج إلى الحفظ والحراسة ، ويتطرّق إليه أخطار (٢) كثيرة بخلاف القلوب لا حتفاظها من الآفات الا بتغير الاعتقاد ، ولأنّ التوصّل به إليه أيسر من العكس ، لأنّ الأموال مسخّرة للقلوب ، فتسخير القلوب يستلزم تسخيرها بطريق أولى ، بخلاف صاحب المال اللئيم الخسيس العاري عن الكمال ، حيث إنّه لايمكن له التوصّل به إلى الجاه ولأنّ سرايته وازدياده لايحتاج إلى مزيد كلفة وتعب بخلاف المال ، حيث يحتاج استنماؤه إلى مقاساة شديدة ونصب.
ثم إنّ علاج هذه الرذيلة الموببقة مركّب من علم وعمل ، فالعلمي أن يتفكّر في أنّه وإن كان صادقاً فيما تصوّره كمالاً من العلم والقدرة وحبّه لهما الا أنّه اشتبه الأمر عليه بإغواء الشيطان في كون الكمال الحقيقي في الاستيلاء على الملك الذي لازوال له ، والتمكّن من العزّ الذي لا ذلّ معه ، والحياة الأبديّة التي لا فناء يعتريها ، والسعادة الحقيقية التي لا قصور فيها ، فإنّ كمال المعلول في التشبه بمبدئه ، فكلما كان عن التغيّر بالعوارض أبعد كان إليه تعالى أقرب ، وهذا مما لايحصل للعبد الا بالعلم بحقائق الأشياء سيّما ما لايكون قابلة للتغيّر والانقلاب ، كالعلم بالله سبحانه وصفاته وأفعاله على نهج أجلى وأوضح وأتقن وأوفق للمعلوم ، فإنّه الاستيلاء الحقيقي الذي تترتّب عليه تأثيرات بعض النفوس في موادّ الكائنات بأنواع التأثيرات بقدر
__________________
١ ـ كذا ، والظاهر : لكونهما.
٢ ـ في ج : خطا.