مراتبها كما أشرنا إليه مراراً ، بل يبقى تأثيرها بعد الموت أيضاً كما تشهد به التجربة الحاصلة من الاستغاثة بالأموات وبالتحلّي بسائر فضائل الملكات حتى توجب صفاء للنفس مؤدّياً إلى الاستخلاص عن أسر الشهوات وعبوديّة قواها الشهوية والغضبية واستيلائها عليها تشبّهاً بالملائكة المقدّسين عن القوّة البهيمية والسبعيّة.
على أنّه قد يقال بعدم ثبوت قدرة للعبد بحيث يكون له كمالاً حقيقياً ، فإن حقيقتها لله تعالى وما يحدث عقيب إرادة حادثة بإحداثه تعالى (١) فتأمل.
وأمّا الاستيلاء على الأعيان بالملك والتصرّف وعلى القلوب والنفوس بالطاعة والانقياد فهو من الزائلات الفانية ، وهو في الحقيقة عجز للنفس وعبودية بالنسبة إلى قواها الشهوية والغضبية ، مضافاً إلى كونها مبعدّة عن الله تعالى بعيدة عن كمالاته الدائمية وقدرته النافذة الحقيقية ، ولو تأمّلت في الحقيقية عرفت أنّ التمكّن من لذّات الدنيا بأسرها ليس تمكّناً حقيقياً لك منها ، بل هو تمكّن لها منك وتسلّط لها عليك ، فما أشدّ اغترارك حيث تظن العجز قدرة والنقص كمالاً. نعم لابدّ من أدنى جاه لضرورة المعيشة مع الخلق ، كما أنّه لابدّ من أدنى مال لضرورتها. فكما لايستغني عن طعام يتناوله ويجوز حبّه للتوصّل به إلى بقاء خادم النفس أعني البدن وحبّه لما يتوصّل به إليه أعني المال ، فكذا لايستغني عمّن يخدمه ويعينه في قضاء حوائجه ويحرسه عن شرّ الأشرار وظلمهم ، فحبّ ما يحصل بسببه في قلب الخادم ما يدعوه إلى الخدمة ، وفي قلب الرفيق ما يحسن بسببه الرفاقة ، وفي قلب السلطان ما يدفع به الشرّ عن نفسه ليس مذموماً ، فلا فرق بينهما في كون كلّ منها وسيلة إلى الأغراض ، فكما يحتاج الانسان إلى المبرز لقضاء حاجته ولو فرض استغناؤه عنه كرهه ، فكذا حبّهما لأجل التوصّل بهما إلى
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ١٢٣.