ضروريات المعيشة ليس مذموماً كما أشرنا إليه سابقاً ، وإنّما المذموم حبّهما لذاتهما وفيما يجاوز الضرورة لتوهّم كونهما من الكمالات الحقيقة.
ولايذهب عليك أنّ الذمّ في اصطلاحنا هذا أعمّ ممّا يوجب الفسق والعصيان في ظاهر الشريعة ، فلا يحصل الثاني الا إذا حمله الحبّ لمزبور على مباشرة المعاصي أو اكتسابهما بكذب وتلبيس وغيرهما كأن يظهر للناس قولاً أو فعلاً يورث اعتقادهم فيه ما ليس فيه كالعلم والورع والنسب ونحوه العبادة ، إذ التوصّل إليها بها يؤول إلى الرياء الحرام ، كما يأتي.
نعم يستباح اكتسابهما بصفة يكون متّصفة بها كما قال يوسف عليهالسلام :
( اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم ). (١)
وكذا بستر عيوبه ومعاصيه حتى لايزول اعتقادهم فيه بعلمهم بها ، فإنّ حفظ الستر عن القبائح واجب وليس تلبيساً ، بل سدّ لطريق العلم الذي لا فائدة فيه نعم إظهار الورع مع الاتّصاف بها كذب وتلبيس.
فإذا تفكّر فيما ذكر علم خطاءه فيما دعاه إلى حبّ الجاه ، وانه لو سجد له كلّ من في الأرض كان آخره الموت ، فلا يترك العاقل ما به تحصل الحياة الدائمية لمثل ذلك ، كما قال الله تعالى :
( بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى ). (٢)
ثم إذا تفكّر فيما يستهدف لها أرباب الجاه والاعتبار من المهالك والمتاعب والأخطار كحسد الناس وقصدهم له بأنواع الأذى وخوفه دائماً على جاهه بانقلاب اعتقادهم فيه لأنّ اضطرب قلوب الناس وشدّة تغيّرها أكثر من القدر في غليانه ، فمن يسكن إليها ويبني أمره عليها فكما يبني على أمواج البحار ، واشتغاله بما يشغله عن الله ويبعده عنه من مراعاة قلوب العباد ودفع كيد الأعداء والحسّاد ويشغله عن الله ويبعده عنه من مراعاة قلوب العباد ودفع كيد الأعداء والحساد ويشغله عن لذّاته البدنيّة فضلاً عن النفسية
__________________
١ ـ يوسف : ٥٥.
٢ ـ الأعلى : ١٦ ـ ١٧.