كما يعلم ن التجربة والعيان علم أنّ ذلك كلّه هموم عاجلة مكدّرة لجميع لذّاته الدنيوية عموماً ولذّة جاهه خصوصاً ، وصار سبباً لسلب اعتقاده بما توهّمه لذّة وفتور رأيه فيما كان يسعى في طلبه وقوي إيمانه ونفذت بصيرته في تحصيل اللذّات الحقيقية الدائمية وترك الالتفات إلى هذه اللذّات الدنية الدنيوية. وكلّ من أحب الله وأنس به وعرفه أحبّ الخمول واستوحش من انتشار الصيت والقبول.
وأمّا العملي فالسعي في رفع الجاه الحاصل له بتحصيل ضدّه أعني الخمول والعزلة عن مصاحبة الخلق المؤدّية إلى الغفلة ، والهجرة إلى المواضع التي لايعرفه أهلها.
ولما كان الباعث العمدة له الطمع فيما عند الناس كان علاج الطمع المذكور سابقاً أنفع شيء في علاجه والمواظبة على ملاجظة ماورد في ذمّه من الآيات والأخبار ، ومادلّ على مدح ضدّه الخمول منها ومن الآثار.
فعن النبي صلىاللهعليهوآله : « أنّ الله يحبّ الأتقياء الأصفياء الذين إذا غابوا لم يفقدوا ، وإذ حضروا لم يعرفوا ، قلوبهم مصابيح الهدى ... الحديث ». (١)
وعنه صلىاللهعليهوآله : « إنّ أهل الجنّة كلّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به الذين إذا استأذنوا على الامر لم يؤذن لهم ، وإذا خطبوا النساء لم ينكحوا ، وإذا قالوا لم ينصب لهم ... لو قسم نوره يوم القيامة على الناس لو سعهم ». (٢)
وفي بعض الأخبار : « أنّ الله سبحانه يقول في مقام الامتنان على بعض عباده : ألم أنعم عليك؟ ألم أسترك؟ ألم أخمل ذكرك؟ » (٣)
ومن تتبّع كتب السير والأخبار وتفحّص عن حال الأكابر والسلف الأخيار واطّلع على إيثارهم الذلّ والخمول مع تمكّنهم من الجاه والاشتهار أيقن بكون الخمول من صفات المؤمنين الأبرار.
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ١١٠ ، وفيه : « الأتقياء الأخفياء ».
٢ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ١١٠.
٣ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ١١١ نقلاً عن الفضيل.