وإن أردت اختبار الناس أو نفسك في مقدار طول الأمل فاعتبره بما يصدر من الأعمال في جمع أسباب المعاش والأموال وشتات البال من الديون والمحاسبات والمعاملات مع الناس والاضطراب معه من خوف الممات قبل جمعها والحرص في اقتناء ما يتزّود للمعاد في يوم القيام وادّخار ما ينتفع به في دار المقام.
وعلاجه التذكّر لما يترتّب عليه من المفاسد والتأمّل فيما ورد في ذمّه والاعتبار بمن مضى من بني نوعه المشاركين له في طول الآمال ، حبث لم ينتج الا الحسرة والندامة في آخر الحال.
وأنفع شيء في علاجه : ذكر الموت ، ولذا كثر الحثّ عليه في الأخبار.
قال النبي صلىاللهعليهوآله : « أكثروا من ذكر هادم اللذّات ، قيل : وما هو يارسول الله؟ قال : الموت ... الحديث ». (١)
وقيل له صلىاللهعليهوآله : هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال : « هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال : نعم ، من تذكّر الموت في اليوم والليلة عشرين مرّة ». (٢)
وقال : « كفى بالموت واعظا »ً. (٣)
فواعجباً ممّن يغفل عن الموت وينساه ، مع أنّه أظهر شيء وأجلاه وأسرع عدوّ يلحقه ويغشاه.
قال الصادق عليهالسلام : « ما خلق الله يقيناً لاشكّ فيه أشبه بشكّ لا يقين فيه من الموت ». (٤)
فلعمري إنّه من الدواهي العظمى ولو لم يكن الا هو لكفى ، كيف وما بعده أعظم وأدهى ، فما أبعد الانسان عن الضحك والسرور لو علم أنّ
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٢٤٢ نقلاً عن مصباح الشريعة (الباب ٨٣ في ذكر الموت).
٢ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٢٤٠.
٣ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٢٤١.
٤ ـ الخصال : ١ / ١٤ ، باب الواحد ، ح ٤٨ ، وفيه : « لم يخلق الله » ، وفي النسخ : « أشبه بشك الأنفاس » وصحّحناه.