مضجعه التراب ومسكنه القبور ، وما أحراه بالبكاء والهموم والأحزان لو علم أنّ جليسه العقارب والحيّات والديدان ، فبالحريّ أن يطيل الحسرة ويكثر الفكره ويسكب العبرة.
قال أميرالمؤمنين عليهالسلام : « ما أنزل الموت حقّ منزلته من عدّ غداً من أجله ». (١)
وكيف لا يكون كذلك وهو في كلّ آن يمضي من عمره يقرب من الممات ويشبه الأموات.
قال النبي صلىاللهعليهوآله : « لو أنّ البهائم تعلم ما تعلمون ما أكلتم منها سميناً ». (٢)
واعلم أنّ ذكر الموت وفكره إنّما ينفع مع تفريغ القلب عمّا سواه كالذي يعزم على السفر حيث لاهمّ له الا الاستعداد له ، فمن تفكّر بهذا الطريق وكرّر التفكّر مع التعميق قلّ سروره بالدنيا وشهواتها ، وهان أمله وانكسر قلبه عن لذّاتها وأمّا القلوب المشغولة بها فهي بزخارفها مسرورة وبالتعلّق بها مغرورة ، فالعاقل من جرّد نفسه للمنيّة وهيّأه لأنواع الرزيّة ، وأكثر من ذكر نظرائه الذين نقلوا مع طول آمالهم وانتظام أحوالهم من أنس العشرة إلى وحشة الهجرة ، ومن فسيح القصور إلى مضيق القبور ، ومن الحور والغلمان إلى العقارب والديدان ، ومن النظافة وحسن الصور إلى العفونة وقبح المنظر وخلوّ المساكن والديار منهم وانقطاع الأخبار والآثار عنهم مع ما كانوا فيه من النشاط والسرور في دار الغرور والغفلة عن هذه الأهوال والطمأنينة بحسن الحال والحرص في تدبير المعاش وجمع الأموال والركون إلى الشباب وجمع الأصحاب ، فلو تفكّر في جزئيات حال واحد واحد من أقرانه وما كان كل منهم فيه في عصره وأوانه واعتبر بأنّه أيضاً من أمثالهم وسيصير حاله كحالهم وأكثر من إتيان المقابر وتشييع الجنائز وعيادة
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٢٤٢.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٢٤٠ ، وفيه : « لو تعالم البهائم من الموت ما تعلمون ».