المرضى وغير ذلك ممّا يذكّر الموت الفناء وجدّدها دائماً إلى أن يصير نصب العين حصل له التجافي عن دار الغرور ، وانقطع صرف أمله إلى دار البقاء والسرور في البين.
ثم الناس بين منهمك في الدنيا وشهواتها خائض في غمرات لذّاتها ، وبين تائب مبتديء وعارف منتهي. (١)
والأوّل لا يذكر الا ذمّاً لصدّه إيّاه عن محبوبه وكونه حاجباً له عن مطلوبه ، بل يفرّ منه ويعاديه وإن كان ولابدّ يلاقيه فلا يستفيد من ذكره الا بعداً ولا يتذكّر نصحاً ولا عهداً.
والثاني يستعدّ بذكره لاقتناء الخيرات والمسارعة إلى تحصيل فضائل الملكات ، ويكرهه خوفاً من أن يلقاه قبل الوصول إلى ما يريده ويتمنّاه وهو في هذا الحال معذور ، ولا يعدّ من طلّاب دار الغرور ولا يحسب من الذين كرهوا لقاء الله فكره لقاءهم واختار لأجل ذلك بقاءهم ، وعلامته الاشتغال بما يعدّه للمات وتهيئة زاد معاده قبل الفوات.
وأمّا الثالث فإنّما يذكره ويثنى عليه حبّاً له وشوقاً منه إليه إذ فيه لقاء الحبيب والمحبّ لاينسى ميعاد اللقاء ، ويستبطىء مجيئه غاية الاستبطاء ويعدّه فوزاً ونجاحاً ويعتقده لنفسه خيراً وصلاحاً ، لما فيه من الخلاص عن سجن الطبيعة ومشاهدة بني نوعه بأفعالهم الشنيعة والوصول إلى الدرجات العالية الرفيعة. ولذا قال علي عليهالسلام : « فزت وربّ الكعبة ». (٢)
وأعلى منه من لايختار لنفسه شيئاً ، بل يفوّض أمره إلى الحبيب ويرضى بما قدّر له من الحظّ والنصيب ، كما قال مولانا الباقر عليهالسلام في جواب مارضية لنفسه جابر (٣) وهو درجة التسليم والرضا وهو غاية مقصد أهل السلوك وكمّل العرفاء.
__________________
١ ـ كذا ، والصحيح : منته.
٢ ـ البحار : ٤١ / ٢ ، تاريخ أميرالمؤمنين عليهالسلام ، باب يقينه ، ح ٤.
٣ ـ سيأتي في ص ٣٤٩.