قال الصادق عليهالسلام : « المغرور في الدنيا مسكين وفي الآخرة مغبون ، لأنّه باع الأفضل بالأدنى ». (١)
ولما كان لمعرفة مداخل الآفات ومجاري الفساد مدخل في الاحتياط والاجتناب حسن التنبيه عليها إجمالاً.
فنقول :فرق المغترّين غير محصورة وجهات غرورهم موفورة.
فمنهم الكفّار بأسرهم. ومن جهات غرورهم كون نقد الدنيا أحسن من نسيئة الآخرة ، وفساده ظاهر ، لأنه صحيح مع التساوي في المقدار والمقصود والنفع والبقاء والا فالتاجر يتعب نفسه بأنواع المتاعب ويبذل نقوده مع إيقاعها في الأخطار لتحصيل النسيئة والمريض يصرف نقده في الدواء والطبيب للصحّة التي هي نسيئة والزارع يبثّ بذره في التراب طلباً للنسيئة وكذا سائر الناس في حرفهم وصنائعهم ، فإذا رجحت نسيئة الدنيا مع تناهيها وقلّتها وفنائها وشوبها بالكدورات وأنواع المنغّصات على نقدها فالآخرة لمن عرف نسبة الدنيا إليها أجدر بالتر جيح لكونها دائمة صافية عن الكدورات ، ولو حصل اليقين بوجود الواجب وحقّية الرسول بالبراهين صدّقهما في الأخبار الصادرة عنهم مما ذكر سيّما مع تأكّدها بالتجربة والعيان.
وإمّا أنّ لذّة الدنيا يقينية والآخرة لم يرها أحد حتى يعلم ما فيها ، وفساده أيضاً ظاهر ، إذ لاشكّ في الآخرة بعد ما يرى من اتّفاق العقلاء والعظماء من الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء عليها فمن لم يعرف المرض والداء يطمئنّ نفسه بما يقوله أرباب فنّ الطبّ فيهما ولا يطالبهم بالدليل أصلاً ، وهذا مدرك عامّ يشمل طبقات الناس بأسرهم لحصول اليقين ، وللخواصّ مسلك آخر ، وهو كشف حقائق الأشياء على ما هي عليها بطريق الوحي والالهام.
__________________
١ ـ مصباح الشريعة : الباب ٣٦ ، في الغرور.