وإما التقديرات الوهمية الكاذبة مثل أن المؤمن لو كان له حظ عند الله لكان ذاحظ من الدنيا ، فحسن حالنا فيها يدل عليه في الآخرة وأنه لو لم يحبنا لما أحسن إلينا ، وفسادها ظاهر أيضاً ، بل هذا هو الغرور بالله العظيم ، كما أشار إليه في كتابه الكريم ، لأن نعماء الدنيا مهلكات مبعدات عن الله يحمي بها أولياءه كما يحمي الوالد الشفيق ولده المريض عن لذائذ الأطعمة حباً له ، فمن كان له عبدان يمنع أحدهما من اللهو واللعب ويلزمه التعلم والأدب والاحتياط من لذائذ الأطعمة المضرة له ويأمره بالأدوية النافعة ويهمل الآخر فلا يسأل عن حاله ولا يبالي بأفعاله ، فهذا الفعل منه يدل على حبه للأول دون الثاني لا العكس ، وقد كان السلف يحزنون من إقبال الدنيا ويقولون : ذنب عجلت عقوبته ، ويفرحون بإدبارها ويقولون : مرحباً بشعار الصالحين ، والمغرور بالعكس ، حيث يظن الأول كرامة ، والثاني إهانة كما أخبر الله تعالى عنه ولو تدبر كلمات الله ورسله وأوليائه ولاحظ أحوالهم وأيقن بالله وصفاته لم يغتر بهذه الخيالات الفاسدة ، ونظر إلى حال الفراعنة الماضين وما انتهى إليه أمرهم من الهلاك والبوار وانقطاع الآثار.
( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) (١) ( سنستدرجهم من حيث لايعلمون ) (٢) ( فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ). (٣)
ومنهم عصاة أهل الحق وفساقهم ومن جهات غرورهم مضافاً إلى ما ذكر ، رحمة الله وفضله وحلمه وصفحه ، وما ورد في مدح الرجاء ، وربما اغتروا بالأنساب كالذرية العلوية ، فيطمئنون من كثرة المعاصي والخروج عن طريقة أجدادهم بذلك ، وقد تقدم في بحث الرجاء أن من رجا شيئاً طلبه ،
__________________
١ ـ المؤمنون : ٥٦ ـ ٥٧.
٢ ـ الأعراف : ١٨٢.
٣ ـ الأنعام : ٤٤.