الأخبار الغريبة ، وتلفيق الحكايات العجيبة حرصاً منه على حصول وقع لمقالته في الصدور مع أنّه في غاية الحمق والغرور ، وإنّما هو شرّ الناس ، بل أضرّبهم من الخنّاس لقصر همّته على ذكر ما يؤدي إلى سرورهم ويزيد في غرورهم من تقوية رجائهم وازدياد رغبتهم في المعاصي واجترائهم ، وهو يظنّ انّه سالك مسلك الهداية وإنقاذ الهكى من الجهالة والغواية ، مع أنّ ضرره أبقى وأدوم وفساده أكثر وأعظم.
ومنهم من وصل إلى الدرجة العليا في تهذيب الصفات وتصفية النفس عن لوث الكدورات وتخليصها عن الشواغل والعوائق وقطع الموانع والعلائق ، وصرف طمعه عن الخلائق إلى الخالق ، وإنّما دعته إلى سلوك سبيل الهداية والارشاد مجرّد الرحمة والشفقة على العباد ، الا أنّه بعد الاشتغال بذلك وجد الشيطان سبيلاً إلى ما هنالك ، فدعاه إلى الرئاسة دعاء خفيّاً ، ثمّ لم يزل يربو وينمو إلى أن صار قويّاً فصار يتصنّع لهم في الألفاظ والنغمات ، ثم في الزيّ والهيأة والحركات ، فقبله الناس قبولاً عميماً وآثروه بأموالهم وأنفسهم إيثاراً عظيماً ، وصاروا له بمنزلة الخدم والعبيد ، فعند ذلك ذاق لذّة مالها من مزيد ، وابتلي بشهوة هي فوق الشهوات ، ووقع في آفة هي من أعظم الآفات ، بعد ما كان مطمئناً بتركه لجميع اللذّات ، فابتلاه الشيطان بالاثم الأعظم وغرّه من حيث لايعلم ، وربما ترقّى فاطّلع على هذه المكيدة واجتهد في استخلاص نفسه فترك ما كان يفعله خوفاً من المفسدة فأعجبه علمه بكيد الشيطان وفراره من شروره ، فوقع في غرور آخر بعد غروره ، ولو كان سالكاً مسلك النجاة لم يأمن كيد الشيطان في حال من الحالات ، بل كان مواظباً على التضرّع والابتهال والاستعانة في دفع غوائله من الكريم المتعال ، خائفاً على نفسه من سلب ما أوتي ثم من خطر الخاتمة الذي لايمكن منه التفصّي.
قيل : ظهر الشيطان لبعض الأولياء في حالة النزع وقد بقي له نفس ،