المعرفة واليقين ، والوصول إلى أعلى درجات المقرّبين ومشاهدة المعبود ومجاورة المقام المحمود ، ووالملازمة في عين الشهود ملفّقاً من الطامّات كلمات مزخرفات ، زاعماً أنّه المطلع على عالم الملك والملكوت ، بل ساحة القدس والجبروت ، ناظراً إلى الصلحاء والفقهاء والمحدّثين وسائر العلماء بعين الحقارة والازدراء ، مدّعياً لنفسه من خوارق العادات مالم يدّعه أحد من الأنبياء والأولياء مع أنّه لم يعرف من المعارف الا ألفاظاً مسموعة وكلمات موضوعة لم يتفطّن لحقائقها ولا أدرك دقائقها ، وربما ارتكب بعضهم قبائح الأعمال وشنائع الأفعال المزيلة للمروءات ، زعماً منه أنّه كسر النفس وإزالة لرذائل الملكات ، ولايدري أنّها بنفسها من ذمائم الصفات.
ومنهم من اشتغل بالرياضات وقطع بعض المراحل ووصل إلى بعض المقامات ، فتوقّف في البين ظنّاً منه الوصول إلى العين ، فإنّ لله سبعين حجاباً من نور لايصل السالك إلى واحد منها ، [ الا ] (١) وهو يظنّ أنّه لامجال للتعدّي عنها.
قال بعض العرفاء (٢) : وإليه الاشارةت في الكتاب الكريم في حكاية إبراهيم ـ على نبيّنا وعليه أفضل التحيّة والتسليم ـ حيث رأى كوكباً فقال : « هذا ربّي » ثم انتقل إلى القمر ، ثم إلى الشمس ، إذ ليس المراد منها الأجسام المضيئة ، لأنّ شأنه أرفع من ذلك وأجلّ من أن يكون سلوكه من هذه المسالك ، بل استعيرت للأنوار الالهيّة المرئيّة للسالك الحاجبة عن الوصول إلى ما هنالك مع عدم إمكانه الا بالوصول إليها والتعدّي عنها ، وبعضها أعظم من بعض ، فلم يزل الخليل يصل عند سيره إلى حجاب أكبر بعد تجاوزه عن الحجاب الأصغر فيترائى له في باديء الرأي الوصول إلى المقصد ، ثم يكشف له أن وراءه أمراً آخر فيترقّى إليه ، فيقول : « هذا أكبر » ، ومتى
__________________
١ ـ ساقط من « الف » و « ج ».
٢ ـ هو أبو حامد الغزالي.