الفقر ، واختيار الشدّة ، والزهد ، واغتنام الخلوة ، والنظر في العواقب ، ورؤية التقصير في العبادة مع بذل المجهود ، وترك العجب ، وكثرة الذكر بلا غفلة ، فإنّ الغفلة مصطاد الشيطان ، ورأس كلّ بليّة ، وسبب كلّ حجاب ، وخلوه البيت عمّا لا يحتاج إليه في الوقت قال عيسى بن مريم عليهالسلام : اخزن لسانك لعمارة قلبك ، وليسعك بيتك وفرّ من الربا وفضول معاشك ، وابك على خطيئتك ، وفرّ من الناس كفرارك من الأسد والأفعى فإنّهم كانوا دواءاً ، فصاروا اليوم داء ثم الق الله متى شئت ». (١)
وقال عليهالسلام : « فسد الزمان وتغيّر الإخوان وصار الانفراد أسكن للفؤاد ». (٢)
وروي أنّ معروفاً الكرخي قال له عليهالسلام أوصني يابن رسول الله! فقال عليهالسلام : « أقلل معارفك ، قال : زدني ، قال : أنكر من عرفت منهم ». (٣)
ولهم أدلّة أخرى ضعيفة ، إذ غاية ما يدلّ عليه بعضها حسن الاعتزال عمّا لا فائدة فيه كمخالطة الكفّار بعد اليأس عن هدايتهم ، وبعضها الأخرى كون الأليق بحال البعض ذلك ، وأخرى على حسن الخمول والتوقّي عن الشهوة ولا ربط له بالعزلة.
وأحسن ما يمكن به الاستدلال للثاني ما ورد من الثناء على نفس الالفة وانقطاع الوحشة ، قال تعالى :
( فاصبحتم بنعمته إخواناً ) (٤) ( ولكنّ الله ألّف بينهم ) (٥)
« المؤمن ألف مألوف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف » (٦) ، و « من أراد
__________________
١ ـ مصباح الشريعة : الباب ٢٤ ، في العزلة.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٤ / ٥.
٣ ـ المحجة البيضاء : ٤ / ٥.
٤ ـ آل عمران : ١٠٣.
٥ ـ الأنفال : ٦٣ ، وفي النسخ : « ألّف بين قلوب المؤمنين » ويمكن أن يكون اقتباساً من الآية.
٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٢٨٥.