والثامن : تسهيل الأمور عليه وترك التكليف بما يشقّ عليه وترفيهه عن حمل شيء من أعبائك وأن لاتستمدّ منه بحاه أو مال ولا تكلفه التواضع والتفقّد والقيام بحقوقك ، بل لاتقصد بمحبتّه الا الله تعالى بالتبرّك بدعائه والاستيناس من لقائه والاستعانة على دينه والتقرّب إلى الله بتحمّل أعبائه وقضاء حوئجه.
ولذا قيل : من جعل نفسه عند الإخوان فوق قدره أثم وأثموا ، ومن جعل نفسه في قدره أتعب نفسه وأتعبهم ، ومن جعلها دون قدره سلم وسلموا ، بل من تمام التخفيف طيّ بساط التكليف حتّى لايستحيي منه.
ولذا قيل : إذا وقعت الالفة بطلت الكلفة.
وقال الآخر : بين الأحباب تسقط الآداب.
هذا ، وقد قيل : لاتصحب الا من يتوب عنك إن أذنبت ويعتذر عنك إن أسأت ، ويحمل عنك مؤونتك ويكفيك مؤونته.
قال الغزالي : « وهذا تضييق لطريق المواخاة على الناس ، بل ينبغي أن يواخي كلّ متديّن عاقل ويعزم على أن يقوم بهذه الشروط ، ولايكلّفه إيّاها حتّى يكثر إخوانه وتكون اخّوته في الله دون حظوظ نفسه خاصّة. ولذا قال رجل للجنيد : قد عزّ الاخوان في هذا الزمان ، أين أخ في الله؟ فأعرض عنه حتّى أعاده ثلاثاً ، فلمّا أكثر قال : إن أردت أخاً في الله تحمّل أنت مؤونته وتصبر على أذاه فعندي جماعة أعرفهم لك ، فسكت الرجل ». (١)
أقول : لعلّ مراد القائل أنّ الحري بالمواخاة من يكون متّصفاً بهذه الصفات في نفسه لا أن يكون المطلوب من مواخاته تكلّفه له ، فلابدّ لك أن لاتتواخى الا من يتّصف بها ، والا لما كان أخاً في الله ، ولما كان حرّياً من حيث الاخوّة بهذه الحقوق ، وقد مرّ نظائر ذلك من الأخبار وغيرها الدالّة
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٤٥.