على أنّه لاينبغي المواخاة الا مع من يتّصف بهذه الصفات.
نعم ، ينبغي لك أن يكون قصدك من مواخاته الاخلاص والتقرّب إلى الله دون الحظوظ النفسانية ، فبعد ما واخيته لاتطلبها منه بل تعزم على قيامك بها مع عدم توقّعك منه شيئاً منها وإن كان فاعلاً لها ، حتى تكون مواخاتك له في الله دون حظوظ نفسك ، وهذا واضح.
قال الغزالي : « ومن ترك التكليف والتخفيف أن لاتعترض عليه في نوافل العبادات ، لأنّ طائفة من الصوفية كانوا يصحبون على شرط المساواة في أربعة : إن أكل أحدهم الدهر كلّه لم يقل صاحبه : صم ، وإن صام الدهر كلّه لم يقل له : لاتصم ، وإن نام الليل كلّه لم يقل له : قم ، وإن قام الليل كلّه لم يقل له : نم ـ إلى آخر ما قال ... ». (١)
أقول : بل من لوازم الوفاء بحقوق لاخوّة أن ينظر أنّ الباعث له على تركها ماذا؟ فإن كان من عذر أو اشتغال بما هو الأهمّ شرعاً أو عرفاً أو عقلاً سكت عنه ، وإن كان من كسل أو تكاهل أو عدم مبالاة منعه رفقاً ونصحه بما يرغّبه فيها ، نعم لايسيء به الظنّ ولا يتفاوت حاله عنده بزيادة ونقصان حتى يحرّكه ذلك إلى الرياء ونحوه الا من جهة الدين والشرع ، فافهم.
وبالجملة فالتكليف مذموم والنهي عنه في الشرع كثير.
قال الله تعالى : ( قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلّفين ). (٢)
فليس التكليف من أخلاق الصلحاء وشعار المتّقين ، ولايتمّ تركه إلا بأن يرى نفسه دون إخوانه ويحسن الظنّ بهم ويسيئه بنفسه وأن يشاورهم فيما يقصده ويقبل مشورتهم ، فهذه هي الحقوق الثابتة للاخوّة والصداقة ، وحاصلها أن تقيّد بحقوقهم جميع جوار حك.
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٤٦.
٢ ـ ص : ٨٦.