سلكه صائرة إلى جوهره ، فليقس هذه بالكمالات المعشوقة للقوى الاخر ، فتجد هذا في المرتبة بحيث يقبح أن يقال : إنّه أفضل وأتمّ منها ، بل لانسبة لها إليه بوجه من الوجوه تماماً وفضيلة وكثرة ، أمّا الدوام فكيف يقاس الدوام الأبدي بدوام المتغير الفاسد ، وأمّا شدّة الوصول فكيف يقاس ما وصوله بملاقاة السطوح مع ما هو سار في جوهره حتى يكون بلا انفصال ، إذ العقل والعاقل والمعقول واحد ، وأمّا المدرك في نفسه فالأمر لا يخفى (١).
ثم قال : ولكنّا في حال كوننا في البدن وأنعماسنا في الرذائل لانحسّ بتلك اللذّة ، إذا حصل عندنا شيء من أسبابها ، ولذلك لانطلبها ولا نحنّ إليها ، اللّهمّ الا أن يكون قد خلعنا ربقة الشهوة والغضب وأخواتهما عن أعناقنا وطالعنا شيئاً من تلك اللذّة ، فحينئذ ربّما نتخيّل منها خيالاً طفيفاً ضعيفاً خصوصاً عند انحلال المشكلات واستيضاح المطلوبات النفسيّة والتذاذنا بذلك شبيه بالالتذاد الحسيّ من المذوقات اللذيذة بروائحها من بعيد ، وأما إذا انفصلنا عن البدن وكانت القوة العقلية بلغت من النفس حدّاً من الكمال الذي يمكنها به إذا فارقت البدن أن تستكمل الاستكمال الذي لها أن تبلغه كان مثلنا مثل الخدر الذي أذيق المطعم الألذّ وتعرّض للحالة الاشهى وكان لا يشعر به فزال عنه الخدر وطالع اللذّة العظيمة دفعة فتكون تلك اللذّة لا من جنس اللذّة الحسّية الحيوانية ، بل لذّة تشاكل الأحوال الطيّبة التي للجواهر المحضة [ وهي ] أجل من كلّ لذّة وأشرفها ، وهذه هي السعادة.
ويجب أن لايتوهّم العاقل أنّ كل لذّة فهو كما للحمار في بطنه وفرجه وأنّ المبادىء الاولى المقربة إلى ربّ العالمين عادمة للذّة والغبطة ، وأنّ ربّ العالمين ليس له في سلطانه وعظمته وخاصيّته البهاء الذي له وقوّته الغير المتناهية أمر في غاية الفضيلة والشرف والطيب نجلّه عن أن نسميّه لذّة ،
__________________
١ ـ كذا ، وفي المصدر : وأما أنّ المدرك في نفسه أكمل فأمر لايخفى.