قد تقلّدوا أمراً لابدّ منه في صلاح الخلق وحرفتهم تبليغ ما بلغ عن الرسول صلىاللهعليهوآله ، فإنّ العلماء ورثة الانبياء ، فلا يجوز للعالم القعود في البيت مع ما يرى من مواظة الناس على هذه المنكرات مع إمكانه في حقّه واجتماع شرائطه فيه ، بل حقّ المسلم أن يبدأ بنفسه وإصلاحها باداء الفرائض وترك المحرّمات مع العلم بها بالتعلّم من أهلها ثم تعليم أهله وأقاربه ثمّ جيرانه ثمّ أهل محلته ثم أهل بلده ثم السواد المكتنف له ثم أهل القرى والبوادي وهكذا إلى أقصى العالم ، فإن قام به الأدنى سسقط عن الأبعد والا كان واجباً على كلّ من يسعه ذلك مادام جاهل على وجه الأرض باقياً ولايقدمّ عليه الا فرض عين أو كفاية أهمّ منه.
وأما أركانهما فأربعة :
أحدها : المحتسب ، ويعتبر في وجوبهما عليه كونه مكلّفاً مؤمناً ، ولايشترط العدالة على الأظهر في أفراد الحسبة الصادرة عن آحاد المكلّفين.
نعم يشترط في الناصب نفسه لتربيتهم وإرشادهم نيابة عن الرسول والأئمّة عليهمالسلام ، مضافاً إلى سائر شروط الاجتهاد ، ويشترط القدرة أيضاً ، فلا حسبة على العاجز ولو بالخوف على نفسه من مكروه أو العلم بعدم التأثير فيه ، بل يحرم فيما يتوقّع فيه ضرر بدنيّ أو عرضيّ أو ماليّ لقوله تعالى :
( ولا تلقوا بايديكم إلى التهلكة ). (١)
وورد النهي عنه في الأخبار الا أنّ عليه أن لايحضر مجالس المنكر حينئذ ، ويعتزل في بيته الا لحاجة مهمّة أو واجب ، وهذا ممّا يختلف باختلاف الأزمان والأحوال ودرجات المكاره التي تنال بالحسبة ، والانسان على نفسه بصيرة ، ولايشترط إذن الحاكم في ما لاينجرّ إلى الفساد والفتنة من مراتب الحسبة كالوعظ بالكلام اللطيف والسبّ والتعنيف بما لايشتمل على محرّم ، والقهر الفعلي ككسر الملاهي وإراقة الخمر واختطاف الثوب منه إذا
__________________
١ ـ البقرة : ١٩٥.