ومنه يظهر فساد ما قيل من عدم قبول توبة العنّين من الزنا الذي قارفه قبل طريان العنّة لأنّها عبارة عن ندم ينبعث منه العزم على الترك فيما يقدر على فعله ، وما لايقدر عليه قد انعدم بنفسه لا بتركه إيّاه.
قيل : لو انكشف عليه بعدها ضرره وثار منه احتراق وندم بحيث لو بقيت فيه شهوة الوقاع قمعها وغلبها فهو ممّا يرجى تكفيره ، إذا لا خلاف في قبول توبته قبلها وإن لم يطرء عليه تهييج الشهوة وتيسّر أسباب قضائها ، وليس الا لبلوغ ندمه حدّاً صرف قصده عنه ، فلا يستحيل أن يبلغه في العنّين أيضاً ، فكلّ من لا يشتهي شيئاً يقدّر نفسه قادراً على تركه بأدنى خوف والله مطّلع على نيّته ومقدار ندمه وحسرته.
والحاصل محو ظلمة الذنب يكون بحرقة الندم وشدّة المجاهدة في الترك في المستقبل معاً فإذا امتنعت الثانية لم يبعد بلوغ الندم حدّاً يقوى على محوها بدونها ، ولولاه لزم عدم قبولها ممّن لايعيش بعدها مدّة يتمكّن من المجاهدة مرّات متعدّدة ، وليس في ظاهر الشرع اشتراطه. (١)
واعلم أنّ وجوب التوبة ثابت من الآيات والأخبار وإجماع الأمّة والاعتبار ، فإنّ وجوب الأفعال وحرمتها على اختلاف مراتبها فيهما لأجل كونها وسائل إلى السعادة الأبديّة أو الشقاوة السر مدية سيّما على طريقة العدلية من عقليّة الحسن والقبح ، وكون التكليف لطفاً ، وإذا علمت انحصار السعادة الحقيقية في لقاء الله تعالى في دار القرار علمت أنّ المحجوب عنه شقي محترق بنار الفراق في دار البوار.
وإذا تبيّن لك أن لا حاجب عنه الا اتّباع الشهوات وارتكاب السيّئات لكونها إعراضاً عن الله [ وانساً بالعالم الفاني ، ولا مقرّب إليه الا قطع العلائق عنها والإقبال بالكلّية إليه طلباً للأنس ] (٢) بذكره الباقي علمت أيضاً
__________________
١ ـ القائل في الإشكال والجواب هو أبوحامد كما في المحجة البيضاء : ٧ / ٧٤ ـ ٧٥.
٢ ـ ساقط من « ج ».