انّ الانصراف عن طريق البعد واجب للوصول إلى القرب ، ولايتمّ الا بالثلاثة المشار إليها التي هي حقيقة التوبة كما عرفت. ومقدّمة الواجب واجبة عقلاً وشرعاً ، ولا ينافيه كون الندم والألم ضرورياً لايدخل تحت الاختيار ، لأنّ سببه اختياري ، والوجوب بالاختيار لاينافيه.
ثمّ إذا علمت أنّ العلم المزبور من الايمان وأنّه من علوم الأعمال التي لايمكن الخروج عن عهدتها الا إذا صارت باعثة على فعل أو ترك فمن لم يترك الذنب بعد العلم بضرره كان فاقداً لهذا الجزء من الايمان.
ولذا ورد « أنّ الزاني لايزني حين يزني وهو مؤمن » (١) ، حيث لم يرد من الايمان فيه العقائد الحقّة لعدم منافاتها للزناوأمثاله ، بل الايمان بكونه مبّعداً عن الله تعالى ، سبباً لمقته ، فالعاصي ناقص الإيمان لأنّه نيف وسبعون باباً أعلاها شهادة أن لا إله الا الله وأدونها إماطة الأذى عن الطريق والتوحيد بالنسبة إليه كالروح للانسان يوجب فقده فقده بالمرّة والطاعات بمنزلة الصورة والجوارح لا يتحقّق كمال النوع الا بها ، فالمقرّ بالشهادتين بدونها كإنسان فاقد الجوارح والأعضاء والآلات في كونه قريباً من الممات شبيهاً بالأموات لأنّ إيمان لم يثبت أصله في اليقين ولا فروعه في الأعمال لم يثبت على عواصف الأهوال ، وخيف عليه الختم على أسوء الأحوال الا ما سقي بماء الطاعات على مرّ الدهور وتعاقب الأوقات حتّى اتّصف بالدوام والرسوخ والثبات ، وهذا قاطع نياط قلوب العارفين خوفاً من دواهي الموت التي لاثبات معها الا للأقلّين ، فكما أنّ الصحيح الخائض في مضرّات المطعومات مغرور باستناده إلى صحّة بدنه في ظنّ عدم الممات لعدم وقوعها فجئة في أغلب الأوقات بل يمرض الصحيح ثم يصير من الأموات فكذا الموحّد المنهمك في معاصي الرحمن فإنّها كالمطاعم المضرّة بالنسبة إلى الأبدان فيخاف سواء الختم بسلب الايمان وبه يخلّد في النار كسائر المشركين والكفّار ، فإن وجب على الخائف
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ١٣.