من هلاك بدنه الحفظ عن أكل السموم ومضرّات الطعوم ومع أكله لها التقيّأ والاخراج من المعدة كيف كان على الفور والبدار تلافياً لبدنه المشرف على الهلاك والتبار مع أنّه لا يفوت بها الا الدنيا الدنيّة الفانية ، فبالحري أن يكون متناول سموم الذنوب أولى بالتدارك لما فاته من النعيم المقيم والملك العظيم ، وما يتوقّع من فواته من العذاب الأليم ونار الجحيم ، فالبدار يا إخوان الحقيقة وخلّان الطريقة إلى التوبة الرفيعة الأنيقة قبل أن يعمل سموم الذنوب بروح الايمان ما لا ينفع بعده الاحتماء وينقطع عنه تدبير الأطبّاء ، فلا ينجع نصح العلماء الأبرار ويحقّ القول عليكم من الله القهّار بالخسار والبوار ، فيقول :
( وجعلنا من بين أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فاغشيناهم فهم لايبصرون * سواء ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لايؤمنون ). (١)
تاكيد وتنصيص
قوله تعالى : ( توبوا إلى الله جميعاً ) (٢) يعمّ الجميع مع أنّ معناها الرجوع عمّا يبعّد عن الله تعالى وعادته تعالى جارية بحصول كمال غريزتي الشهوة والغضب قبل حصول كمال العقل ، لحصوله غالباً في الأربعين وإن تمّ أصله عند مراهقة البلوغ ، وظهرت مباديه بعد سنّ التميز ، فإذا كان كمال الأوّلين قبله فقد سبق جند الشيطان واستولى على المكان وأنس القلب بمقتضياتهما بالعادة ، وتعسّر عليه النزوع عنها ، فبعد ظهور العقل الذي هو حزب الله شيئاً فشيئاً إن لم يبلغ حدّ كماله سلمت مملكة القلب للشيطان اللعين وحقّ منه قوله : ( فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين ). (٣)
وإن بلغه كان أوّل شغله قمع جنوده بمفارقة العادات وردّ الطبع قهراً إلى العبادات ، وهذا معنى التوبة.
__________________
١ ـ يس : ٩ ـ ١٠.
٢ ـ النور : ٣٣١.
٣ ـ ص : ٨٢.