تقسيم آخر
التائب إن وثق (١) بعزمه على الترك وهو يريد الاشتغال بما هو الأهمّ بحاله من المعارف وغيرها فنسي ذنبه والاحتراق والبكاء عليه لأجله فهو أفضل ممّن لم يصل إلى هذه المرتبة وإن اشتغل بالاحتراق والبكاء جاعلاً ذنبه نصب عينيه ، لأنّه ممنوع بعد من الوصول إليها ومحجوب عن درك المطلوب والوقوف في الطريق عائق عن الوصول إلى المحبوب ، ولايغرّنّك بكاء الأنبياء ونياحهم على ذنوبه فإنّه تنزل منهم إلى الدرجات اللائقة بحال أمّتهم ، إذ بعثوا لارشادهم فعليهم التلبّس بما ينتفعون به وإن كان أدون عمّا يليق برتبتهم ، فإنّ الأمم في كنفهم كالصبيان في كنف الآباء والمواشي في كنف الرعاء.
تقسيم آخر
التائب إمّا أن يستقيم على توبته إلى آخر عمره ولايعود الا إلى الزلّات الّتي لايخلو غير المعصوم عنها وهو السابق في الخيرات المبدّل سيّئاته حسنات وتوبته النصوح ونفسه المطمئنّة ولأهل هذه المرتبة طبقات ، فمن ساكن عن الشهوات ومشتغل بالمجاهدات ، ومراتب المجاهدة غير محصورة لاختلافها بالقلّة والكثرة والمدّة والأنواع والأعمار.
وإمّا أن يستقيم عليها في الكبائر وأمّهات الطاعات دون الصغائر ، لكن من دون قصد وتعمّد ، بل ابتلاء يبتلى به في مجاري الأحوال ، وكلّما ابتلي به ندم وجدّد العزم على الاحتراز ، فنفسه لوّامة ، وهو وإن كان أدون من الأول الا أن رتبته أيضاً عالية لأنّ الشرّ معجون بطينة الانسان قلّما ينفكّ عنه أحد ، غاية الأمر السعي في غاية الأمر السعي في غلبة الخير على الشرّ حتى يثقل ميزان الحسنات.
( الّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش الا اللّمم ). (٢)
__________________
١ ـ في « ب » وفّق.
٢ ـ النجم : ٣٢.