وبلائها مما تطول مدته ويدوم بقاؤه ، ثم لخساسة الدنيا وشرف الآخرة وقرب الموت ولذة المناجاة مع الله سبحانه مع ترك الذنوب.
فمن تأمل فيما ذكر انبعث منه خاطر التوبة وإلا فهو أحمق أو منكر للمعاد. ومن أعظم أسبابها قلع حب الدنيا عن القلب ، فإن المعاصي بأسرها ناشئة عنه.
ويعالج تسويفه وطول أمله بالتفكر في أن بناء الموت على أمر ليس إليه ، وهو البقاء إلى تلك المدة ، فلعله يموت قبلها أو لايقدر على الترك فيها كما لايقدر عليه الآن ، فعجزه الآن ليس إلا من غلبة الشهوة ، وهي إن لم تتضاعف غداً بالعادة فلا تنقص قطعاً.
ويعالج رجاءه الكاذب بفضل الله وعفوه أيضاً بالتفكر في أن إمكان العفو من الذنب ليس بأقوى من إمكان أن يعطيه الله مالا بغتة من غير كد ، فإن أنفق ماله وضيع عياله على ذلك فليفعل هنا أيضاً كذلك ، فإن الكريم في الحالين واحد ، وإن نسب المتكل في ذلك عليه إلى الحمق والغرور فهنا أولى بذلك وأحرى.
ويعالج ضعف خوفه بسبب تأخر العقاب في الآخرة والإمهال في الدنيا بالحياة بالفكر في أن حصوله مجزوم به بعد ثبوت الايمان بالله ورسوله وما أتى به الرسول من الوعد والوعيد ، غاية ما في الباب فرض تأخره وهو فرض باطل ، إذ لعل أجله قريب فإن الموت أقرب إلى كل أحد من شراك نعله ، ولو أخبره نصراني بضرر الغذاء الفلاني وسوقه إياه إلى المرض والممات لتركه وإن كان ألذ شيء عنده مع أن ألم الموت لحظة لاخوف بعده أصلاً ، وهو أمر لابد منه ، فكيف يطمئن بقول كافر يدعي الطب من غير معجزة بمجرد شهادة العوام ويترك ما يأمره بتركه ولايثق بقول الأنبياء المؤيدين بالمعجزات القاهرة والبراهين الظاهرة ولا يتصور أن النار أعظم وأشد من المرض وأن كل عند ربه مقدار ألف سنة مما تعدون.