قال الله تعالى : ( إنّ الله كان عليكم رقيباً ). (١)
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل |
|
خلوت ولكن قل عليّ رقيب |
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة |
|
ولا أنّ ما تخفي عليه يغيب |
ألم تر أنّ اليوم أسرع ذاهب |
|
وأنّ غداً للناظرين قريب |
فالمراقبة ملاحظة الرقيب وانصراف الهمّ إليه ، وهي حالة يثمرها نوع من المعرفة بأنّ الله مطّلع على الضمائر رقيب على أعمال العباد ، قائم على كلّ نفس بما كسبت ، فهذه المعرفة إذا صارت يقيناً ، ثمّ استولت على القلب وقهرته جرّت إلى مراعاة جانب الرقيب وصرف همّته إليه.
ومراقبة العارفين الموقنين بما ذكر إمّا مراقبة التعظيم والاجلال ، أي استغراق القلب بملاحظته والانكسار تحته فلا يلتفت إلى غيره ، وحينئذ تكون الجوارح متعطّلة عن الالتفات إلى المباحات فضلاً عن المحظورات ، وإذا تحرّكت بالطاعات كانت كالمستعمل بها ، فلا يحتاج إلى تدبّر وتثبّت على حفظها بل تكون جارية على نهج السداد من غير تكلّف.
ومن نال هذه الدرجة استغرق همّه بالله فقد يغفل عن الخلق حتى لايرى من يحضر عنده ولايسمع ما يقال له ، ولايبعد ذلك ، فإنك ترى من استغرق قلبه بمهم حقير من مهمّات الدنيا فيعرض (٢) في الفكر فيه فيمشي فربّما يتخطّى عن مقصده وينسى الشغل الذي نهض له ، فكيف بمن استغرق همّه بملوك الدنيا ثم كيف بمن استغرق همّه بمالك الملوك ، فهذه مراقبة المقرّبين.
__________________
١ ـ النساء : ١.
٢ ـ كذا ، وفي المحجة البيضاء : (٨ / ١٥٧) فيغوص.