جدّاً ، على أنّ الهيأة البدنية الراسخة فيه الغير الزائلة عنه مضادّة لا محالة لجوهر ذاته ، فهي مؤلمة غاية الألم ، الا أنّه ليس لأمر ذاتي بل لأمر عرضي غريب هو حصول الملكات الردية من كثرة الاتيان بالملائمات الحسّية ، فبعد انقطاع آلتها عنه يضعف الميل تدريجاً إلى أن يفنى ويزول ، فلا يكون مخلداً في هذا النوع من العذاب ، بخلاف شوق الكمال العلمي ، فإنه لايزول أبداً فلو لم يحصّل في دار الدنيا شيئاً منه بقي ألمه أبداً ، وماذكرناه من أحوال الصنفين فإنّما هي للنفوس الذكيّة.
وأمّا النفوس الساذجة الغير المستشعرة بكمالها الحقيقي الغير المكتسبة له فلا يخلو إما أن يكون معتقداً للعقائد الحقّة على سبيل التقليد مع اجتماع شرائط التقليد فيه أو لا.
ولأوّل إن حصّل من الكمالات العملية الائقة بحاله بقدر ما اكتسبه من العقائد الحقّة ولو على سبيل التقليد فهو أيضاً من السعداء وهم المعبّرعنهم بالبله في قوله صلىاللهعليهوآله : « أكثر أهل الجنّة البله ». (١)
وسعادتهم جسميّة لعدم إدراكهم العقلية والباعث لهم على اقتناء الملكات الحسنة واجتنابهم عن الأخلاق الذميمة والأعمال القبيحة هو الطمع في لذّة مجانسة لللذّات الجسميّة وإن كانت أرفع وألطف وأدوم وأشرف ، أو الخوف من الآلام المجانسة لهذه الآلام الجسمانيّة وإن كانت أشدّ وأدوم منها ، إذ لايتصوّر في حقّهم غير ذلك ، فنفوسهم بعد المفارقة عن البدن شائقة جاذبة إلى الأجسام العنصرية لا ستحالة التناسخ سواء قلنا بتعلّقها بالأجسام الشريفة السماوية على تفاوت مراتبهم ودرجاتهم كما هو رأي المشّائين ، أو بالأبدان المثالية كما هو رأي العرفاء والاشراقيين.
وإن لم يحصّلها ، بل حصّل الهيئات المردية والملكات الشهويّة
__________________
١ ـ الجامع الصغير : ١ / ٥٣.