والغضبيّة ، فهو من صنف الأشقياء الواصلين إلى الكمال العلمي دون العملي يعذّب ولايخلّد ، وإن كان شقاوته أهون وعذابه أخفّ من شقاوتهم وعذابهم ، والكلام في جنس ألمه وعذابه كما ذكرناه ، ولما كان أغلب الناس من هذين الصنفين فالمواعيد الشرعية ترغيباً وترهيباً منساقة إليهم.
وإن لم يجتمع فيه شرائط التقليد لم ينفعه تقليده ولا الأعمال الصالحة الصادرة عنه ، وكان كالمعتقد للعقائد الباطلة من صنف من لم يحصّل من الكمالين شيئاً ، مخلّداً في الألم والعذاب الحاصل لأولئك.
فقد ظهر ممّا فصّلناه أنّ انحصار اللذّة في الجسمانيّات كما يظنّه المسجونون بسجن الطبيعة ، فإنّ غاية همّتهم وشوقهم في تحصيل الملكات الفاظلة والأعمال الصالحة هي الوصول إلى أشرف أنواع اللذّات الحسّية ، كالجنّة والحور والغلمان ، وفي ترك الرذائل الخلقية والأفعال الفاظحة الخوف من أدوم أنواع آلامها كالنار والحيّات والعقارب ، إنّما يصدر توهّمه من عدم خلاص النفس عن سجن الطبيعة ورسوخ العلاقة بالجسم وما يلزمه من قواه الشهويّة والغضبيّة ، وكيف يرضى من له أدنى قريحة بأن يكون غاية همّته ونهاية سلوكه الوصول إلى أشرف لذّات البهائم ، ويكون نفسه المخلوقة لأمر عظيم خادماً في هذه المدّة للنفس البهيميّة. أو ما يتفكّر في أنّ ذلك عبادة الأجراء والعبيد؟ أو لم يسمع قول سيّد الموحّدين :
« إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا شوقاً إلى جنّتك ، بل لمّا وجدتك أهلاً للعبادة عبدتك ». (١)
بل كما قاله الشيخ : كيف يرضى بأن يكون ربّ العالمين الذي ليس له في بهائه وعظمته وكبريائه من يوازيه مسمّياً لهذه اللذّات لذّات قاصداً لها ممّا يكرّره في كتابه الكريم ويؤكّد عليه بلسان نبيّه الرسول الصادق الأمين ، وكذا المبادىء العالية المنزهّة عن هذه اللذّات الحسيّة لا يكون لها لذّة وغبطة أصلاً ،
__________________
١ ـ البحار : ٤١ / ١٤ مع اختلاف.