جلب نفعه ودفع ضرّه ، فلو رآها تعلّق بهاولم يخل عنها ، ومع غيبتها عنه يكون أوّل سابق على لسانه يا أمّاه! فهذا قد فنى في توكّله فلا يلتفت إليه بل إلى المتوكّل عليه فقط ، وكأنّه فطري له بخلاف الأوّل ، لكونه كسباً وتكلّفاً منه وله التفات إلى توكّله وهو مانع عن دوام الشهود للمتوكّل عليه.
وثالثها : أن يكون بين يدي الله تعالى كالميّت بين يدي الغاسل فيرى نفسه ميّتاً تحت القدرة الأزليّة ، وهذا في غاية قوّة اليقين بكون الأشياء مستندة إليه تعالى ، فالصبيّ يفزع إلى أمّه ويصيح ويتعلّق بذيلها ويعدو خلفها ، بخلافه حيث إنّه انتظار محض فهو كمن يعلم أنّ أمّه من غاية إشفاقها عليه تحمله وتسقيه وإن لم يفزع إليها ولم يصح ولم يتعلّق بها ، وهذا المقام يثمر ترك السؤال والطلب منه تعالى كما قال الخليل عليهالسلام :
« حسبي من سؤالي علمه بحالي ، كفى علمه بحالي عن مقالي ». (١)
فكم من نعمة ابتدأها قبل السؤال بدون استحقاق بخلاف ما قبله ، حيث يثمر ترك السؤال عن غيره تعالى خاصّة.
هذا ، وقد قيل إنّه في الدوام كصفرة الوجل ، فإنّ انبساط القلب إلى الأسباب طبع وانقباضه عارض ، فلا يدوم.
وأمّا الثاني فهو كصفرة المحموم ربما تدوم يوماً أو يومين ، والأوّل كصفرة مريض استحكم مرضه فلا يبعد أن يدوم أو يزول ، ولاينافي التدبير والسعي الذي يشير إليه وكيله ، ولاسيّما ما كان معروفاً من عادة الوكيل وسنّته ، والثاني ينفي كلّ تدبير سوى الدعاء والطلب منه تعالى ، والفزع إليه كتدبير الطفل في التعلّق بأمّه.
والثالث ينفي كلّ تدبير وصاحبه كالمبهوت الواله.
تنوير
ما يكون خارجاً عن الطاقة بأن لايكون له أسباب قطعية أو ظنّية لجلبها
__________________
١ ـ جامع السعادات : ٣ / ٢٢٥.