الأخير للعلّة التامّة التي بها يصدر الفعل عن الفاعل المختار ، فلا تتحرّك الأعضاء نحو الفعل أو الترك الا بالقدرة المنتظرة للقصد المنتظر للداعي الباعث أي الشوق المنتظر للعلم أو الظنّ بكون ما يفعله أو يتركه موافقاً لغرضه أو منافياً.
ثم الباعث قد يكون متّحداً كالانزعاج الحاصل من مشاهدة السبع مهتجماً عليه ، وحينئذ يسمّى إخلاصاً ، والنيّة خالصة عن ممازجة الغير ، وقد يتعدّد مع استقلال كلّ بالباعثية والانهاض لو انفرد كالذي يسأله الفقير القريب له فيقضي حاجته لفقره وقرابته مع العلم بأنّه لولا الفقر لحصل القضاء أيضاً بمجرّد القرابة وبالعكس ، أو عدمه مع الانفراد كمن يقصده الفقير الأجنبي أو الغنني القريب فلا يعطيه ويعطي قريبه الفقير والمتصدّق للثواب وثناء الناس ، ولو انفرد كلّ واحد لم يفعل ، أو استقلال أحدهما به دون الآخر وإن أعانه الآخر عليه وسهل الفعل بسببه على الفاعل كالذي يكون له ورد في العبادات وعادة في الصدقات فاتّفق حضور جماعة فصار بسبب ذلك أنشط على الفعل مع العلم بأنّه لو انفرد لم يترك ورده وعادته ، والباعث الذي يكون رفيقاً أو شريكاً أو معيناً نذكر حكمه في الإخلاص.
واعلم أنّ الطاعة غذاء للقلب والمقصود منها شفاؤه وبقاؤه وسلامته وتنعّمه بلقائه تعالى وسعادته ، ولن يتنعّم بلقائه تعالى الا من مات محبّاً لله عارفاً به ، ولن يحبّه الا من عرفه ، ولن يعرفه الا من دام فكره ، ولن يأنس به الا من طال ذكره ولن يتفرغ القلب لهما الا مع الفراغ عن شواغل الدنيا ، ولن يفرّغ عنها الا مع الانقطاع عن شهواتها حتى يميل إلى الخير ويريده وينفر عن الشر ويبغضه ، ولايتحقق الميل والنفرة الا مع العلم بإناطة السعادة بذلك.
وإذا حصل أصل الميل بسبب المعرفة قوي بالعمل بمقتضاه والمواظبة عليه ، إذ المواظبة على صفات القلب وإرادتها بالعمل تجري مجرى الغذاء