والقوت لتلك الصفة حتّى تقوى بسببها فالمائل إلى العلم أو الرئاسة لايكون ميله إليهما في الابتداء الا ضعيفاً فإن اتّبع مقتضاه واشتغل به تأكّد ميله ورسخ وعسر عليه النزوع والا ضعف وانكسر ، بل ربّما زال وانمحى ، وكذا سائر الصفات والخيرات ، فإنّ الطاعات ما يراد للآخرة والشرور مايراد للدنيا ، فميل النفس إلى الاولى وانصرافها عن الأخرى هو الذي يفرغها للذكر والفكر ولن يتأكّد الا بأعمال الطاعات وترك المعاصي والمواضبة عليهما بالجوارح ، لأنّ بين القلب والجوارح ارتباطاً تامّاً يتأثّر كلّ منهما بتأثّر الآخر الا أنّ القلب هو الأصل والأمير والجوارح كالخدّام والرعايا له تؤكّد فصاتها فيها ، وحينئذ يظهر أنّ أعمال القلب أفضل من الجوارح ، وانّ النيّة من بينها أفضل ، لأنّها عبارة عن ميل القلب إلى الخير وإرادته له وليس الغرض من أعمال الجوارح الا تعويد القلب على ذلك حتّى يتفرّغ عن الشهوات وينكبّ على الذكر والفكر ، وهذا كما أنّ تداوي المعدة [ بالشرب خير من طلاء الصّدر ، إذ لم يرد من الطّلاء الا سراية الأثر من الصّدر إلى المعدة ، وتأثّر المعدة ] (١) من الشرب أكثر.
ومنه يظهر معنى قوله صلىاللهعليهوآله : « نية المرء خير من عمله » (٢) أي إذا اجتمع العمل مع النيّة كان هذا الجزء أنفع من الجزء الآخر فلا تظنّن أنّ في وضع الجبهة على الأرض غرضاً من حيث لصوقها بها ، بل لتأكيده صفة التواضع في القلب ، وكذا مسح رأس اليتيم يؤكّد الرقّة في قلبه ، ولهذا قيل : « لا عمل الا بنية » (٣) ، فإنّ الماسح لرأس اليتيم إذا كان غافلاً أو ظانّاً أنّه يمسح ثوباً لم ينتشر من أعضائه أثر إلى قلبه بتأكّد الرقّة ، ونحوه الساجد الذاهل ، فكان وجودهما كعدمهما في الغرض المطلوب منهما فيكونان باطلين
__________________
١ ـ ساقط من « ج ».
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ١٠٩ ، وفيه : « نيّة المؤمن ».
٣ ـ الكافي : ٢ / ٨٤ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب النيّة ، ح ١ ، عن زين العابدين عليهالسلام.