لغوين. وإن انضمّ إليه قصد رياء مثلاً ازداد شرّاً لتأكّد الصفة التي أريد قمعها ، أي الرياء الذي هو من جملة الميل إلى الدنيا ، وبه يظهر سرّ ماورد من « أنّ من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة » (١) لأنّ همّ القلب ميله إى الخير وانصرافه عن الشر ، وذلك غاية الحسنات ، وإنّما العمل مؤكّد له.
واعلم أنّ المعاصي لاتتغيّر عن موضوعاتها ولاتنقلب طاعة بالنيّة فمن يغتاب إنساناً مراعاة لغيره أو يطعم فقيراً من مال غيره ويبني مسجداً او رباطاً أو مدرسة من مال حرام وقصده الخير ونحو ذلك فهو جاهل ، إذ لاتؤثّر في إخراجها عن كونها ظلماً وعدواناً ، بل قصد الخير بالشرّ على خلاف مقتضى الشرع شرّ آخر لمعاندته للشرع مع علمه وعصيانه بجهله معه ، إذ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة ، والجاهل غير معذور ، الا إذا كان قريب عهد بالاسلام ولم يجد بعد مهلة التعلّم ، ومن ذلك تعليم العلم للسفهاء المقصور همّتهم على مماراة العلماء ومباراة السفهاء استمالة وجوه الناس وجمع حطام الدنيا وأخذ أموال السلاطين والمساكين وهم قطّاع طريق الله تعالى يتّبعون الهوى ويتباعدون عن التقوى ويستجريء الناس بسبب مشاهدتهم على معاصي الله ، ثم ينتشر ذلك العلم إلى أمثالهم وهكذا ووبال الجميع لى المعلّم الذي علّم العلم أوّلاً مع علمه بفساد نيّته.
والعجب من جهل هذا المعلّم حيث يقول : إنّما الأعمال بالنيّات ، وقد قصدت به نشر الدين فإن استعمله في الفساد كان المعصية منه لا منّي ، وهذا تلبيس من الشيطان عليه بواسطة حبّ الرئاسة وغرور منه ، فهو كمن وهب سيفاً قاطعاً من قاطع طريق وأعدّ له أسبابه وقال : أردت البذل والسخاء وقصدت به أن يغزو بها في سبيل الله تعالى ، فإنّه من أعظم المثوبات ، فإن هو صرفه إلى المعاصي كان هو المعاصي ، ولاشكّ في حرمة ذلك ، بل إذا لاح له من عادته الاستعانة بها على الشرّ وجب السعي في سلب سلاحه لا
__________________
١ ـ الكافي : ٢ / ٤٢٨ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب من يهمّ بالحسنة أو السيّئة ، ح ١.