ونذكر الآن حكم امتزاج قصد التقرّب بشيء آخر من الرياء وغيره من حظوظ النفس كالذي يحجّ ليصحّ مزاجه بحركة السفر ، ويتوضّا للتبريد ويصوم للحمية ويصلّي باللّيل دفعاً للنعاس عن نفسه ويغزو ليمارس الحرب ويتعلّم العلم ليسهل عليه طلب المال أو يعتزّ بين الناس ونحو ذلك ، فمهما كان الباعث قصد القربة وانضمّت إليه خطرة ممّا ذكر حتى خفّ عليه العمل بسببها فقد خرج عمله عن حدّ الإخلاص وتطرّق إليه الشرك ، وقد قال الله تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً ). (١)
وبالجملة ؛ حظوظ الدنيا قليلها وكثيرها إذا تطرّقت إلى العمل تكدّر بها صفوته وزال إخلاصه والإنسان منغمس في الشهوات ، قلّما ينفكّ فعل منه عن حظوظ عاجلة ، ومهما كان الباعث نفسها اشتدّ الأمر على صاحبها فيها.
ثم إنّ هذه الشوائب كما أشير إليها في النيّة إمّا موافقة أو مشاركة أو معينة للباعث الديني ، والإخلاص تخليص العمل عنها بأسرها وهو لايتمّ الا لمستهتر بحبّ الله مستغرق الهمّ بالآخرة حتّى لايكون رغبته في الأكل والشرب الا من حيث التقوّي بهما على عبادته تعالى والا فبابه بالنسبة إليه مسدود إذ تكتسب جميع أفعاله وحركاته الصفة الغالبة في قلبه المهتمّ بها فلا تتمّ له عبادة الا نادراً ، ولذا قال سيّد الرسل صلىاللهعليهوآله إذ سئل عن الإخلاص : « أن تقول ربّي الله ثم تستقيم كما أمرت » (٢) أي لاتعبد هواك ونفسك ولاتعبد الا ربّك وتستقيم في عبادته كما أمرت ، فعلاج تحصيله كسر الحظوظ الدنيوية وقطع الطمع عنها بحيث يغلب على القلب التجرّد للآخرة ، فكم من عمل يتعب فيه الإنسان ويظنّ فيه الخلوص وهو مغرور لايدري وجه الآفة فيه فإنّه
__________________
١ ـ الكهف : ١١٠.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ١٣٣.