دقيق غامض ، وهم المرادون بقوله :
( قل هل ننبّئكم بلأخسرين أعمالاً ) (١) ( وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون ). (٢)
فلابدّ للعبد من التفقّد الشديد والمراقبة لهذه الدقائق حتى لايلتحق بأتباع الشياطين من حيث لايشعر.
تنبيه
أعظم ما يشوّش لا إخلاص هو الرياء الظاهر كان يصلّي الرجل مخلصاً فيدخل جماعة فيقول له الشيطان : حسّن صلاتك حتى ينظروا إليك بعين الوقار والصلاح ، فلا يغتابوك ولا يستحقروا بك.
ثم أن يفهم ذلك فيحترز منه ولا يلتفت إليه ويستمرّ في صلاته كما كان فيأتيه في معرض النصيحة فيقول : أنت متبوع ومنظور إليه فإذا اقتدى بك الناس كان لك ثواب أعمالهم إن أحسنت وعليك الوزور وإن أسأت ، فأحسن عملك حتّى يتأسّوا بك وهذا رياء غامض لايدركه كثير من الناس فإنّه مبطل للإخلاص لأنّ الخشوع إذا كان خيراً يرضاه لغيره فكيف لم يرض به لنفسه في الخلوة فليست نفس غيره أعزّ عليه من نفسه ، فالمقتدى به من استقام في نفسه واستنار قلبه فأنتشر نوره إلى غيره. وأمّا هذا فهو منافق ملبّس يطالب بتلبيسه ، وإن أثيب من اتّبعه.
ثم أن يتنبّه لذلك فيحسن صلاته في الخلاء على الوجه الذي يرتضيها في الملأ حتى لايقع تفاوت بين خلائه وملئه ، وهذا أغمض أنواع الرياء ، لأنّ تحسين صلاته في الخلوة إنّما كان لأجل تحسينه في الملأ ، والإخلاص مساواة الخلق مع البهائم في نظره وهذا يشقّ على نفسه إساءة الصلاة في نظر الناس ، ثم يستحيي أن يكون في صورة المرائين فهو مشغول الهمّ بالخلق في
__________________
١ ـ الكهف : ١٠٢.
٢ ـ الزمر : ٤٧.