والثالث : فهم المعنى زيادة على الحضور مع اللفظ لتفارقهما والناس فيه على تفاوت عظيم ، فكم من دقائق ولطائف تنكشف على بعض المصلّين في أثنائها لم تنكشف على غيره ولا عليه قبلها ، ولذا تنهى عن الفحشاء والمنكر.
والرابع : التعظيم وهو أمر وراء حضور القلب والتفهّم.
والخامس : الهيبة ، أي الخوف الناشي من التعظيم ، فمن لايخاف لايسمى هائباً ، وكم من خوف ناش عن غير التعظيم.
والسادس : الرجاء زائداً على الخوف منه لبرّه وإحسانه.
والسابع : الحياء الناشي من استشعار قصور أو تقصير في الخدمة ، وكون هذه السبعة بمنزلة الروح لها ظاهر ، إذ الغرض الأصلي كما عرفت تصفية النفس وتصقيلها ، فكلّ ما يكون أثره أشدّ فهو أفضل ، والمقتضي لصفائها وصقالتها عن الأخباث والكدورات الحاصلة لها من مزاولة الشهوات ليس الا ما ذكر ، وليس للحركات الظاهرة مدخل فيها الا من حيث التقوية كما عرفت.
هذا ، مع أن الصلاة مناجاة ، وإفشاء عمّا في الضمير ، ولامناجاة ولا إفشاء مع الغفلة وعدم الحضور وحركة اللسان على مقتضى العادة ، وكيف تصير هذه الحركة العادية مع سهولة خطبها عماداً للدين ، فاصلاً بين الكفر والإيمان ، مقدّماً على كلّ عبادة موصولاً بها إلى كل خير وسعادة ، ولذا ورد الحثّ على ذلك في الآيات والأخبار ممّا لاتحصى ، والذّم على الغفلة والوساوس الشيطانية أيضاً فيها خارج عن حدّ الاستقصاء وتظاهرت الأخبار بكون الأنبياء والأولياء في حالتها على غاية الإقبال والخشوع والخوف.
( الّذين هم في صلاتهم خاشعون ). (١)
__________________
١ ـ المؤمنون : ٢.