وإذا قلت : « الرحمن الرحيم » فأخطر في قلبك أنواع لطفهوإحسانه ليتّضح لك رحمته ، فينبعث به رجاؤك.
وإذا قلت : « مالك يوم الدين » فاستشعر من قلبك التعظيم والخوف ، إذ لا مالك الا هو ، ويوم الجزاء هائل وحسابه أهول وأدهى.
ثم جدّد الإخلاص بقولك : « أيّاك نعبد » ، والعجز والاحتياج بقولك : « وإيّاك نستعين » ، وانّه ماتيسّرت طاعتك الا به ، وأنّ له المنّة على ذلك حيث جعلك أهلاً للمناجاة ، ولو حرمك عنها لكنت من المطرودين كالشيطان العين ، وأنّه إذا كانت الإعانة منحصرة فيه فيأخرج الوسائل والأسباب عن القلب الا من حيث إنّها مسخّرة منه تعالى.
وإذا قلت : « اهدنا الصراط المستقيم » فاعلم أنّه طلب للأهمّ ، أي الهداية السائقة بك إلى جواره ، والمفضية بك إلى مرضاته ومجاورة من أنعم عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين دون المغضوب عليهم من الكفّار والفجّار.
وإذا تلوت الفاتحة كذلك فيشبه أن تكون ممّن قال الله على لسان النبي صلىاللهعليهوآله : « قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصف لي ونصفها لعبدي ، يقول العبد : الحمدلله ربّ العالمين فيقول الله : حمدني عبدي وأثنى عليّ وهو معنى قوله : سمع الله لمن حمده ... الحديث ». (١)
وكذلك ينبغي أن تخرج الأسرار والدقائق من السورة ، فلا تغفل عن أمره ونهيه ووعده ووعيده قصصه ومواعظه الإخبار عن مننه وإحسانه ، فإنّ لكلّ حقّاً ، فحقّ الأمر والنهي العزم ، وحقّ الوعد الرجاء ، وحقّ الوعيد الخوف ، والموعظة الاتّعاظ ، والقصص العبرة ، والمنّة الشكر ، كلّ بحسب درجات الفهم ، وهو بحسب العلم وصفاء القلب ، ودرجات ذلك لاتنحصر ، والصلاة مفتاح القلوب بها ينكشف الأسرار.
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ١ / ٣٨٨.